المطبخ السياسي - من يستحق الدعم ؟


تقوم الجمعيات الأهلية في الدول النامية بدور هام ومكمل لدور المؤسسات الرسمية الحكومية في عدد كبير من المجالات .
فمنها من يقوم بالتنمية الاجتماعية والثقافية للمجتمع مما يدفع عجلة الديمقراطية خطوات إلي الأمام , ومنها من يهتم بالتنمية الاقتصادية ومساعدة الطبقات المتوسطة والمنخفضة في مواجهة مشكلات الحياة اليومية والمستقبلية من خلال تقديم دعم مالي للمشروعات الصغيرة و المتناهية الصغر , وهذا بالطبع يساهم في إعادة توزيع رؤوس الأموال ويعيد تشكيل طبقات المجتمع وتقليل المساحات البينية بين هذه الطبقات مما يرفع من كفاءة النظام الاقتصادي للدولة , ومنها من يلعب دورا سياسيا ووطنيا محركا ومنشطا للنظام السياسي للبلاد مما يساعد علي تطوير النظام السياسي وحمايته من حالة ركود قد تصيبه من جراء الاستقرار المستكين , والذي يدفع البلد إلي حالة من التأخر قد تودي بحياة النظام بأكمله .
ومن هنا نستطيع أن نتعرف علي مقدار الدور الذي تلعبه الجمعيات الأهلية , ولكن ما هي الجمعيات الأهلية ؟
تعتبر الجمعيات الأهلية من الأركان الأساسية لأي مجتمع , فهي تعبر عن مقدار الوعي الشعبي والجماهيري داخل المجتمع , فالجمعية الأهلية يتم صياغة أهدافها وتأسيسها وإدارتها من قبل أفراد ذوي دراية بمشكلات المجتمع ولديهم من الوعي والرغبة في صناعة مجتمع أفضل ما يدفعهم إلي القيام بنشاط لا يسبب لهم المكسب المادي بقدر ما يدفع مجتمعهم خطوة واحدة للأمام .
في الواقع عدد الجمعيات الأهلية التي تعمل في خدمة المجتمع يشير إلي مقدار تقدم الشعوب , ولست هنا أقصد التقدم الاقتصادي والعلمي والسياسي , ولكني أقصد وبكل وضوح تقدم الشعوب والبشر .
فيكفينا أن نعلم حقيقة واحدة " أننا نسير في مسيرة عبر طريق ضيق نمر فيها فردا فردا , وثمة خيطا يربطنا جميعا وإذا تعرض أحدنا للخطر فأن المجموعة كلها سيصيبها الأذى " حتى نعمل جاهدين للحفاظ علي مجتمعنا ونعمل جاهدين لرقي هذا المجتمع .
فالذين يعملون في مجال خدمة المجتمع هم الأذكى علي الإطلاق لأنهم يعرفون أنهم لن يحصلوا علي فرصة العيش في مجتمع نظيف دون إزالة الأوساخ عنه , ولن ينعموا بمجتمع صالح إن لم يعملوا علي أصلاحه من كل مفاسده .
ولكن هناك عددا كبيرا من التحديات تواجه أولئك العاملون بخدمة المجتمع لا تقتصر علي المجهود المبذول بلا طائل مادي أو علي الوقت المهدر في أنشطة أضافية متزامنة مع أعمالهم وواجباتهم اليومية , كما أنها تتخطي كل ذلك لتصطدم بجدار الشك في مصداقية الجمعية الأهلية علي الصعيدين الرسمي و الشعبي , كما أنها تصطدم بصخور اليأس من تحقيق الأهداف , وبالأخص أن الأهداف التي تساهم الجمعيات الأهلية في تحقيقها ذات طبيعة طويلة الأمد ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال وعي عام ولا يمكن تحقيقها من قبل جمعية أهلية واحدة أو حتى الجمعيات الأهلية مجتمعة , فالشعب واستجابته للعمل الجماعي هو القادر علي تغيير و إصلاح مجتمعه .
ولكنا اليوم معنيين بالتحدي الأكبر للجمعيات الأهلية وهو تحدي التمويل .....
تعتمد الجمعيات الأهلية في القدر الأعظم من تمويلها علي التبرعات والهبات الغير قابلة للرد من الأفراد والمؤسسات , وقليل من الإيرادات من بعض المشروعات التي ترعاها للتنمية الاقتصادية , أو من بعض الأعمال الاقتصادية الموجهة إيراداتها لنشاط الجمعية وخدمة المجتمع .
في الواقع تقدم المنحة الأمريكية تمويلا يعد مناسبا لتغطية عدد كبير من أنشطة تلك الجمعيات الأهلية والذي يساهم بدوره علي بقاء واستمرار تلك الجمعيات في طريقها نحو الإصلاح .
ولكن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه "القائمة الحكومية المصرية للجمعيات الأهلية المستحقة للدعم" تم تغييرها ليتم وضع تلك القائمة من خلال أجهزة الولايات المتحدة الأمريكية طبقا لمعاييرها الخاصة ورؤيتها وتقييمها وأولويتها المعبرة عن سياسة الولايات المتحدة تجاه التنمية السياسية والاجتماعية في مصر والشرق الأوسط .
وبذلك تحدد الولايات المتحدة الأمريكية مقدرات النشاط الاجتماعي العربي والمصري من خلال رؤيتها الخاصة , وتمول الجمعيات الأهلية ذات الرؤية والأولويات و الأهداف المتوافقة ومعايير الولايات المتحدة .
في الواقع لا يوجد لدي أي اعتراض علي السياسة الأمريكية الحالية تجاه تمويل ورعاية الجمعيات الأهلية في الدول النامية والشرق الأوسط , فلا يمكنني لوم الولايات المتحدة علي استبعادها الجمعيات الأهلية ذات الأهداف الدينية – حتى وان كانت مشهرة – من قوائم الدعم .
كما لا يمكنني لوم الولايات المتحدة علي تمويل أفراد أو مؤسسات أو منظمات ما دامت متوافقة معها في الرؤية والأهداف تجاه مستقبل المنطقة فمن حكم في ماله ما ظلم .
لكني أري اليوم تشكيلا إجباريا لمستقبلنا وتمويلا علنيا ورسميا لمجموعات غير متوافقة في الرؤية والأهداف معنا , ونحن لا نستطيع حتى أن نقدم الدعم المادي المكافئ للجمعيات التي تسعي وتعمل جاهدة لتحقيق أهدافنا وتعمل تحت مظلتنا .
لماذا تبخل بمالك ومجهودك لتلبية أهداف مجتمعك ؟
هل تعتقد أن الإنفاق علي الجمعيات الأهلية اليوم هو نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله بالمال ؟
هل تعتقد أنك تستطيع استقطاع جنيه واحد شهريا من راتبك عن كل فرد ترعاه في سبيل تمويل مجتمعك ؟
سيدي القارئ ....
إن لم تكن تعلم ذلك ..... فأعلم أننا اليوم في بداية المرحلة الأخيرة من الحرب الصليبية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية علي العالم الإسلامي ..... ومصر هي المعنية في تلك المرحلة .
تمويل الجمعيات و الأفراد و المؤسسات الغير متوافقة في الرؤية مع المجتمع المصري والمتوافقة مع حكومة لا تهتم لأمورنا هي مجرد خطوة نتاجها سيكون انهيارا تاما في نشاط الجمعيات الأهلية الهادفة لتنمية المجتمع , مقترنا بازدهار لم يسبق له مثيل في كل ما هو غربي ومتحرر ضاربا بعادتنا وتقاليدنا عرض الحائط .
أنها رصاصة الرحمة إلي قلب أمة تلفظ أنفاسها الأخيرة وهي لا تعلم سبب مرضها .
تمويل الفساد ووصف الفساد بالنجاح وانقياد شعبي لهذا النجاح , هذا هو مرض دولتنا .....
هل تستطيع المساهمة في العلاج ؟
لا تكن سلبيا وأرسل لي رسالة واحدة تعلمني فيها بأنك ترغب في العلاج .......
أرسل الآن .....

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.