بيت واحد من أبيات قيس يكفي

(ملأت سماء البيد عشقا وأرضها --------- وحملت وحدي فلك العشق يا ربي)
فيه تخصيص التخصيص، لان ما تقوله الشخصية يخالف المعرفة الإنسانية. فالفضاء المحيط بالكرة الأرضية مملوء بالهواء وليس بالحب، فهذه الحالة التي يصفها الشخصية لا تخص أحدا سواه، وهو صادق وكاذب في آن واحد. ويأتي كذبه من أن ما يزعمه يخالف الحقيقة من حيث الواقع الحياتي والإنساني ويأتي صدقه من مطابقة لفظه لحالته الشعورية فسماؤه وأرضه وحده هي التي ملئت بعشقه وكأن أحدا على هذه الأرض لم يعشق وهو وحده العاشق، وموطن الجمال كامن في هذا التخصيص-ر وفى هذه الاستحالة والمبالغة وفي عدم إمكان المتلقي أن يصدق وعدم إمكانه أن يكذب وفي حيرته بين التصديق والتكذيب؟ وفى سهولة الصورة التحيرية وفى إمتناعها فى آن واحد
فقوله: " وحملت وحدي ذلك العشق يا ربى ؟ فيه شكوى للشكوى وليست شكوى للاعتراض لأنه الفاعل لما يشكو منه.
فلقد ملأ سماء الصحراء وأرضها عشقا وكونه يحمل رغما عنه هذا العشق ففيه قصر عليه إذ أنه عاشق من طرف واحد في حين أن الأصل في العشق هو التبادل بين عاشقين معشوقين في آن واحد.
ومن هنا تنعدم الشكوى ولكن العشق من طرف واحد.. من طرف (قيس) هو موضع شكواه وفيه تكثيف لحجم معاناته- لذلك جاءت لفظة (حملت) مبنية للمجهول في موضعها وحالتها الحتمية- فالفاعل محذوف ولكنه غير مجهول- وفى حذفه تكمن القيمة الجمالية، لأنه سبب معاناة المتحدث (قيس) وعدم ذ كر الفاعل (ليلى) صراحة فيه صون ورغبة في عدم إظهارها في موضع التعسف والظلم والتجني على عاشقها، لعلمها بأنه ملأ الصحراء بعشقه لها دون أن تقابل عشقه لها
بعشقها له.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.