أيدلوجية جديدة – الأيديولوجية الانفصالية




أيها الناس...
ما ستقرؤونه الآن هو أول تجربة عربية لتأسيس أيدلوجية إنسانية جديدة, تقدم حلولا لمشكلات العالم المعاصر, وتواجه القصور الشديد في النظام العالمي, والذي يلقي بظلال من التشاؤم لدي كثير من المهتمين بالحياة البشرية.
كل ما أتمناه من القارئ المحترم هو, تمرير هذه الرسالة بأجزائها المتتابعة لأكبر عدد من الناس , حتى تصل لعالم حقيقي ينسب العلم لأصحابه...
عسي إن يعرف العالم أن فلاسفة العرب وحكمائهم لازالوا قادرين أن ينيروا الطريق المظلم للبشرية...
إن علماء العرب لازالوا قادرين علي أن يضيفوا المزيد من المعرفة للمحتوي الإنساني...
فكما نشروا علومهم من قبل لنقل العالم بأسره من عهد إلي عهد, فهم اليوم يقدمون للبشرية قبسا جديدا من الحكمة قد يساعد علي ترسيخ قواعد العدل الاجتماعي للعالم كله.
ليس فقط العدل الاجتماعي للجنس البشري ... ولكننا نحاول أن نقدم العدل الاجتماعي للأجناس كلها...
قال الله تعالي في محكم آياته "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم, ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلي ربهم يحشرون" (38,سورة الأنعام)
كما إننا نحفظ قول الله تعالي في سورة الأعراف "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والأنس لهم قلوبا لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" (179,سورة الأعراف)
ويعرف الفقه لغة بأنه مطلق الفهم, وهو دلالة علي فهم المتلقي غرض المتكلم من كلامه.
وتوضيحا لرسالتنا حتى لا يلتبس علي بعضنا معناها فإننا نعرف رسالتنا تلك بأنها
"رسالة تؤرخ حالة الجنس البشري اليوم وتبين كيف وصلنا إلي هذه النقطة من أحداث الأمس, حتى نري مستقبلا مختلفا"
أيها السادة الأفاضل القارئون لرسالتي أقدم لكم سلاما من الله ورحمة وبركة عليكم جميعا...
إن المسلمون وقد علموا أن البشرية أمة واحدة, لا تختلف عن غيرها من الأمم إلا بالعقل والبصيرة, ومع علمهم بدورهم الرئيس كخلفاء لرب الخلق في خلقه, فلقد نشروا بسيادتهم للأرض العدل والعلم دون احتكار, وأعطوا العقول غذائها من المعرفة دون شرط, لم يسعوا يوما للتملك إلا للخير العام للجنس البشري, فلم يقطعوا شجرة ولم يقتلوا طفلا أو شيخا, لم يهدموا دور العبادة أو يسفهوا المعتقدات, لأنهم كانوا يعرفون حقيقة كل شيء والهدف من كل شيء وينتموا لهذا الكون بسلطانه الحقيقي لله.
ولكن العالم اليوم يعود إلي زمن أكثر تخلفا مما نعتقد جميعا, إننا وبكل إمكانيات جنسنا نعود بعقولنا إلي زمن مظلم بحق...
زمنا لم يكن فيه مكانا أو سلطانا إلا للمال...
والمعضلة الكبرى أن المال من صنع البشر, وهم ذوي السلطان الحقيقي عندما يغيب العلم عن المشهد.
وفي هذه الرسالة سنتتبع بإذن من الله كيف وصل جنسنا البشري لتلك الحالة المذرية من عبادة الإنسان للإنسان مادام يملك مالا...
سنتتبع بإذن الله كيف وصل جنسنا البشري لتلك الحالة المذرية من المادية والفوضى والانهيار لصالح القلة المسيطرة في هذا الجنس...
عسي أن يوفقنا الله تعالي إلي ما فيه الخير لأمة الإنسان التي خلقها الله في أحسن تقويم.
الجزء الأول: ماذا حدث عندما وقع العالم في قبضة حفنة من اللصوص؟
الفصل الأول: أسئلة هامة لكل إنسان علي وجه الأرض
يحيا الإنسان اليوم في معظم بقاع الأرض حياة مؤسسية غاية في التنظيم, فيدخل إلي مؤسسات تعليمية مدارة بأحدث التقنيات, ليدرس منهاج علمي معد مسبقا من خلال أفضل رجال العلم العالمي, هذه المؤسسات تدخل الإنسان في مراحل تحولية لاستخراج منتج بشري محدد القدرات يساعد بشكل معد حكوميا وإداريا مسبقا ليعمل دورا محددا في محيطه الاجتماعي.
فالمؤسسات التعليمية المهنية تعمل علي استخراج العامل الفني بخصائص محددة ليعمل هذا الإنسان بقدراته في مجال الإنتاج, بنفس الشكل يتم تشكيل السياسي والصحفي والعالم والرياضي, أنها آلة كبري تعمل علي تشكيل المحتوي المعرفي البشري في قوالب.
فيمكن لأي محترف معرفة السقف المعرفي لشخص ما بمجرد أن يعرف المستوي التعليمي لهذا الشخص, حتى الثقافة العامة للإنسان تتأثر بالمحتوي المعرفي الأساسي النابع من التعليم والبيئة المحيطة بالإنسان, فلا يمكن تخيل وجود محتوي من المعلومات الفنية الفارقة في علوم الفضاء لدي مواطن عادي أو حتى مثقف في أي مكان في الكرة الأرضية حتى وإن كان من بلد متطورة فضائيا.

الآن وإن كنت توافقني أو تعارضني دعنا نتساءل,
- لماذا تسير جموع البشر كقطيع نحو المدارس؟
- هل الطفل يملك هدفا عندما يلتحق بالمدرسة؟ أم أن والديه يوجهانه نحو ما يرون انه مستقبل أفضل له؟
- هل يري الآباء مستقبل أبنائهم في دخول المدارس والسير علي المراحل التعليمية المعهودة؟ أم أنهم يختارون هذا الطريق لأنه لا بديل لديهم؟
- كم هي فرص أن يكون ابنك في ظل النظم التعليمية الحالية أحد الأشخاص التالية:

1- عالم
2- سياسي / دبلوماسي
3- حافظ للنظام "شرطي/مقاتل"
4- مهني
5- عامل / فني
- هل تعتقد أن هناك قيمة مضافة للتعليم أم إن التعليم هو عبئ اقتصادي ومقامرة مالية بوعود قد لا تتحقق؟
- سؤال أخير في هذه الفئة, هل تعتقد أن دعوي مؤسساتك الحكومية بأن الفرص متكافئة أمام الجميع للحصول علي مناصب حيوية ومؤثرة في الدولة حقيقية أم أنها دعوى زائفة؟
أننا وبشكل عام, تحت تأثير مخدر قوي ذهب بعقول جموع البشر فلا يرون إلا دربا ضيقا يسيرون فيه إلي أن يصلوا لنتيجة لم يكونوا راغبين فيها أبدا, ولكنهم ونتيجة لغياب المعرفة والعلم فأنهم يسيرون خلف قادة مسيطرين في هجرة جماعية كقطيع واحد وهم لا يعرفون غير هذا السبيل سبيلا.
وعلي الرغم من رؤية أشلاء الضحايا التي تملئ هذا الدرب يمني كل منا نفسه بأنه سيكون أوفر حظا في تخطي ذلك الدرب مقارنة بأقرانه الذين نراهم اقل منا في مهارات البقاء ومتطلبات الرحلة.
ولا نعرف هذه الحقيقة حتى بعد فشلنا في تحقيق أهداف الرحلة الطويلة التي نمضي فيها حياتنا إننا كنا مجرد دمي يحركها نظاما متقنا للتغييب والتعتييم, فننسب الفشل فينا وفي أبنائنا وقد نقتلهم نفسيا بسبب هذا الفشل, ولا نلاحظ أن الفشل في النظام ذاته.
هذا علي صعيد الدراسة, دعونا ننتقل إلي الحياة ذاتها, ما هو الهدف من حياة الإنسان؟...... البقاء حيا؟
يعمل الإنسان من أجل تحقيق حياة كريمة, ألا يستطيع الإنسان صناعة حياته الكريمة خارج مؤسسات المدنية؟
أو ليست الحياة الكريمة بكل أركانها هي حقوق إنسانية يجب أن تحققها الأنظمة الحاكمة بغض النظر عن العمل والكسب؟
أم أن الأنظمة الحاكمة تستعبد البشر مقابل مفهوم محدد مسبقا عن الحياة الكريمة قد تسميه مثلا "الحلم الأمريكي" أو "النمط الأوربي" أو غيره من الوعود البراقة ؟
فمن الممكن أن يكون هناك عرضا أفضل لنا نحن الشعوب ويكون قادتنا السياسيون محترفين نوليهم إدارة شؤوننا بغض النظر عن الجنسية والشروط الموضوعة للحاكم, فمن يستطيع تقديم عرضا أفضل للشعوب هو الأحق أن يكون قائدا للمجتمع وتقدم الشعوب عروضا مالية محددة كمقابل لإدارة شئون البلاد والعباد.
ويكون الإنسان هاهنا مستقلا تماما لأن هناك من يقدم له الخدمات الإنسانية بغض النظر عن العمل والتعليم والشروط النظامية التي تشكل القيد علي الإنسان.
ولكن حتى في هذه الحالة... يبقي السؤال.... ما الهدف من حياتنا كبشر؟
ما هو الهدف من العمل؟ وكيف يكون العمل بلا سلطان؟
في الحقيقة إن العلوم التجريدية لا تقدم إجابات وافية علي هذا النوع من التساؤلات, ولكن العلم الديني يقدم هذا النوع من الإجابات.
فتجد إن الأنظمة الداعمة للفكر الدنيوي المسمي بالعلمانية يجرد قيمة الحياة وحقائقها بما تراه وتسمعه وتقرأه, وهو بالكامل تحت السيطرة, ولا يضعون صوب عينيك إلا أهدافا هي بالأصل حقوقا إنسانية تعمل وتكد من أجل تحقيقها والحصول عليها, وهي ما يجب إن تحصل عليه بالأصل دون هذا الكم من العناء.
ويغضون البصر عن القيمة الأساسية للحياة, إن كانت الحياة الكريمة والسلام الاجتماعي والأمان والاستقرار والعلم والصحة وغيرها من الأهداف التي يسعي الإنسان في طريق حياته علي تحقيقها هي حقوقا إنسانية يجب إن توفرها الأنظمة التي أصفها بالأنظمة الإدارية وليست أنظمة حاكمة, فما هو الهدف الحقيقي للحياة؟ وما الذي يجعلنا نعمل ما دامت مطالب البشر في حياة كريمة هي مطالب مشروعة وواجبة النفاذ من ولاة الأمر؟
أننا نجد تلك الإجابات فقط في العلوم الدينية والتي تقدم بيئة ميثولوجيا خصيبة لدفع طاقات البشرية كاملة نحو الإعمار ونبذ الهدم والتدمير والتناحر علي الموارد, بينما تسعي النماذج الحديثة إلي السيادة وتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها من خلال إقامة الحروب وقتل الناس وتدمير البيئة والصيد الجائر والاقتصاديات المستهلكة للموارد الحياتية للبشر ذاتهم والتي تصب جميعها دائما في أيدي حفنة من الرجال, وتقاتل بقية البشرية لنيل حقوقها المشروعة في حياة كريمة ولا ينال معظمهم ما يطمح إليه.
أننا نجد أن الفكر الديني يعمل دائما علي توحيد البشرية في هدف واحد وبوتقة واحدة, بينما تجد الأنظمة الحديثة تدار بالأرقام ومؤشرات البورصة وتعمل علي تفضيل جنس عن جنس, ولون عن لون, وعرق عن عرق, وحتى إقليم عن إقليم لأن القائمين علي هذه الأعمال دائما ما يفرقون ليحافظوا علي سيادتهم.
يمكنك ببساطة ملاحظة النظم العالمية وهي تضع الاحتياجات الحياتية للإنسان موضع اهتمام في حياته اليومية حتى يبقي ذهنه مشغولا فلا يعلم لحياته هدفا إلا ما يحيا فيه اليوم وكيف يحافظ عليه للغد, بينما تضع الأفكار الدينية حياة أخري بعد الموت لتعلم الإنسان أن حياته هو ستنتهي وتبدأ من بعده دائما حياة جديدة, فتعلم الإنسان أن يحيا لهدف وان لا يجعل هدفه هو الحياة.
ما هو الهدف الجامع الذي لا يختلف عليه البشر كهدف أساسي للحياة البشرية؟
قد يكون المال هو الهدف الرئيس لدي كثير من البشر, ولكنهم أنفسهم قد يستنكرون هكذا هدفا أن يكون هو الهدف الجامع للبشرية, وحتي انهم لا يجرؤن علي تصدير هذه الثقافة للآخرين كنوع من القيمة والمثل والقدوة, ولكنهم يعلمون تماما انه الهدف الذي من أجله يفكرون ويعملون وحتي يتكلمون من أجله, فتجد بعضهم لا يتحدث إلا لهدف تحصيل منافع مادية.
ولعل سؤالي هذا يدفعك إلي الإجابة عليه أكثر من مرة واختبار إجابتك قبل الرد علي هذا التساؤل, وعلي الرغم من هذا فإن تحليت بالصبر فقد تصل لطريق يدفعك للتفكير في نمط حياتك كله...
وتصل إلي أنك تلزمك الكثير من المعرفة لتحديد هدفا واحدا يتفق البشر جميعا علي أنه الهدف الأهم للبشرية, فحتي الدراسات الدينية لا يتفق عليها البشر جميعا, فمنهم من هو مؤمن بوجود خالق للكون تتلخص أهدافنا في إرضائه بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه, ومنهم من يرفض فكرة وجود إله خالق لهذا الكون وتتلخص أهدافه علي ارتقاء النوع الإنساني علي أحسن تقدير.
وحتي من بين المؤمنين بوجود خالق, تجدهم يختلفون حول ماهية الذات الالاهية ويختلفون في رؤيتهم لخالق هذا الكون.
إذا كيف يمكن لهذا التنوع العملاق ان يتحد يوما علي هدفا جامعا؟
من الملاحظ في الحركات الاجتماعيةالكبرى كالثورات مثلا, أنه أحيانا يتكون هدفا واحدا أو أكثر يستطيع إحداث تحرك موحد لمجموعة بشرية متباينة تحت مظلته, ودائما ما يأخذ هذا الهدف شكل "الحاجة", فتكون هذه الحاجة هي مصدر الطاقة التي تدفع هذه الكتلة البشرية للتحرك نحو تلبية الحاجة, وبنفس المقدار تعمل هذه الطاقة علي التماسك والترابط بين مكونات هذه الكتلة البشرية.
وتبدأ هذه الطاقة بالنضوب عند تحقيق "الهدف الجامع", مما يسببحدوثانقسامامبدأيا يؤدي إلي انقسام الكتلة الرئيسية إلي كتلتين, الكتلة الأولي شعرت بالطاقة وتريد الاستفادةالقصوى منها في تحقيق أكبر كم ممكن من الاحتياجات, والكتلة الثانية تسعي للاستفادةالقصوى من مكاسب التحرك من خلال الرجوع لمرحلة الاستقرار, ثم تنقسم الكتلة الأولي مرة أخرى إلي جزيئات حول أولويات الأهداف للمرحلة الثانية والمساعدة في استمرار طاقة التحرك الاجتماعي, وبالطبع لا يجدون هدفا واحدا يجمعهم بعد تحقيق الهدف الجامع, وفي هذه الأثناء تحافظ الكتلة الثانية علي حالة من التماسك السلبي بخروجهم من الكتلة المتحركة ووصولهم لحالة السكون, فتبدوا الكتلة في معظمها تميل للسكون, فيبدأ اليأس وقبول الواقع يجذب قدرا أكبر من الكتلة المتحركة تدريجيا إلي أن يتوقف الحراك الإجتماعي الموحد, ويعاود المجتمع انشقاقه الطبيعي وتباين آراءه حول الهدف الجامع للبشرية.
نعم ... إن هدف البشر الأهم هو تلبية احتياجاتهم...
وللأسف الشديد هناك كثيرون جدا يعلمون هذه الحقيقة, ولا يقفون عند المعرفة فيصنعون الحاجة ويستغلونها ويتربحون منها, ولأنهم ليسوا من ذوي القدرات الخارقة والخاصة, فأنهم في معظم الأحوال ليسوا قادرين علي خلق حاجة بشرية حقيقية أو تقديم حلولا حقيقية لهذه الحاجة, وعلي الرغم من أنهم يستخدمون العلوم النفسية والاجتماعية والتسويقية والطبيعية في ذلك العمل, إلا أنهم غالبا ما يقدمون احتياجات مصطنعة للبشرية أو ما يسمي بالاحتياجات الترفيهية والتكميلية, وتلبية هذه الاحتياجات بشكلعام قد يكون مؤثر علي الصحة العامة أحيانا– كالعلاج الكيماوي بديلا عن الطب البديل- وأحيانا أخري يكون مضرا للبيئة – كالفريون بديلا للملح – أو حتي غير اقتصادي للبيئة – كالتونة المعبئة بديلا للتونة التقليدية- ودائما ما يعملون بهذه الطريقة حتي ولو كان هذا العمل مضادا للأهداف الدينية للبعض, أو رؤية البعض للحياة, أو أي مثل أو قيمة أعلي من احتياجاتنا تمنعنا من تحقيق أهدافنا وحاجاتنا بنفس أساليبهم.
فيعملون علي تشويه الحقائق, وقصر نظر البشرية بعرض مجموعة محددة من المعلومات التي تساعد فقط في خلق الحاجة لدينا, ومن ثم خلق حالة من التعتيم الجماعي تساعد في تكوين حاجة جديدة داخل البشر.
فمثلا مشكلة وجود مكان ملئ بالحشرات داخل بيئة البشر, دفعت بعض الناس إلي ترويج إلي نوع غريب من الحاجات, أنها الحاجة للقضاء علي الحشرات,فنحن البشر في حاجة للقضاء علي الحشرات في بيئتنا المحلية ونستخدم في ذلك مبيد حشري.... أليس كذلك؟.
فعلي عكس التصور الآدمي والإنساني عن الذاتكأكثر الكائنات تقدما وتحضرا, صنع هؤلاء الأفاقون حاجة لدي البشر بإبادة الحشرات بملوثات للصحة والبيئة بديلا عن صناعة الحاجة إلي إبعاد الحشرات عن مجتمعاتنا البشرية, وسميت مبيد من المصدر - إبادة- ليعطي المستهلك إحساسا بالقوة التي يملكها ضد الحشرات, كما انهم يستخدمون عبارة للقضاء علي الحشرات بشكل دائم إلي انها وصلت لدي المواطن لدرجة الترديد كالتنويم المغناطيسي.
ولهذه المنتجات الكيماوية أخطارا علي البيئة بشكل عام, كما أنها تضر البشر وأجهزتهم التنفسية وقد تؤدي لاختناق الأطفال والحيوانات الأليفة وأحيانا الانفجار... إلخ
كل هذا الكم من السلبيات لا يهم...
حياة البشر لا تعني صانع هذا الاختراع الفتاك في أي شيء...
البيئة والحياة الطبيعية والكائنات الأخرى بالطبع لا تهم أحدا علي الإطلاق...
فالبشر خلقت لديهم حاجة هي غاية في الأهمية....
البشر لديهم حاجة في إبادة الحشرات والقضاء عليها...
هذا مجرد مثالا بسيطا علي ان البشر يتوحدون, ولكن لا يتوحدون لهدف ولكنهم يتوحدون لحاجة, ويكون تلبية هذه الحاجة هو الهدف الإنساني, وأوضحنا في هذا المثال أن الحاجات الإنسانية ليست أصيلة ومقترنة بحياة الإنسان, بل هي تصنع من قبل العلماء والسياسيين والاقتصادين والإعلاميينوالمعلمين وغيرها من المؤسسات التي لا تقف عند صنع الحاجة بل تروج لها وتدعمها لجني الأرباح وفرض السيادة بغض النظر عن القيم والمبادئ والأهداف التي يختلف حولها البشر في المعتاد.
انك قد تتعجب من كلماتي عندما أنظر إليها من منظور كهذا والغالبية لا تنظر إلي الواقع من هذا المنظور, وقد لا يتفهم كثيرين موقفي أصلا مدافعين عن هذه الحالة العدائية بأنه لا ضير من قتل الحشرات مادامت تسبب لنا الأمراض, ويعتقد البعض أنه لا بديل عن القتل, وهذا نتيجة التعتيم الإنساني الذي تمارسه السلطة علي البشر فتوجههم فقط لما يمكنها تقديمه لهم بشكل يحقق لها الأرباح, أما الحاجات الحقيقية والأساسية فعليك أن تسعي لتحقيقها وتكد وتعمل وتحقق للسلطة مزيد من الأرباح حتي تحصل عليها أيضا وهي كما أتفقنا في الأساس هي حقوق البشر ذاتهم.
الحاجة للمعرفة
لا جدال بأن الحاجة للمعرفة هي حاجة أصيلة لدي البشر, وهي محرك وطاقة لجموع البشر لاستكشاف البيئة المحيطة, حتي استكشاف الكون ذاته, وهي نفس الحاجة التي يلبيها السادة من خلال برامج تليفزيونية وإذاعية تعرض وجهات نظر شخصيات محدودة علي أنها رأي عام, فالحاجة للمعرفة هي ما تقيدك امام شاشات التليفزيون وشبكة الإنترنت وتدفع لشراء الكتب والجرائد وغيرها من مصادر الدخل للسلطة وأدوات الحكم المساعدة في السيطرة علي جموع البشر وتوجيههم.
ولكنك من خلال هذه الوسائل تعرف ما يجب عليك معرفته ولا يكون امام هذه الحالة إلا تصديق المعلومات المسردة إليك من خلال هذه الوسائل, أو انه يصيبك الشك وعدم اليقين والانفصام الاجتماعي إن لم تنجح تلك الوسائل في إقناع عقلك البشري الخارق, فتكون طائرا يغرد خارج السرب.
انهم يدفعونا للقولبة التعليمية دفعا, وعندما لاحظوا اننا لا نستقي المعرفة من التعليم فقط وجهونا للقراءة كوسيلة هامة للسيطرة الفكرية, ثم الراديو والتليفزيون والإنترنت, انهم يخلقون القنوات التي يجب عليها أن تلبي حاجة أصيلة للإنسان ولكنهم يسيطروا عليها لتلبي حاجاتهم الشخصية ويستخدموها ضدنا للتفكيك والتشتيت الاجتماعي.
سوف اسرد لكم مثالا توضيحيا يثير الضحك والتعجب والاشمئزاز وكافة المشاعر الإنسانية لديكم في ذات الوقت, ولكنكم قد تصلون من خلاله لحقيقية التوازن بين العلم والسلطة والمال.
في عام 2005 اجري مجموعة من الباحثين الجديين مجموعة من الأبحاث حول الصيد الجائر لسمك التونة ذو الزعنفة الزرقاء في مياه المتوسط, فمن المعروف ان هذه الأسماك تقوم برحلة جماعية للمحيط الأطلنطي والعودة مرة أخري عبر مضيق جبل طارق, وهو المنفذ الوحيد للمحيط الأطلنطي, وأثناء عودتها تجد المخلوق البشري الخارق القادر علي استيعاب هذه الجموع الغفيرة داخل شبكاته في أضيق أماكن الرحلة وهو المضيق, فتكون فرص النجاة في مستويات متدينة للغاية, وهذا بالطبع الحل الأمثل للبشر, فلماذا نطارد الأسماك في البحار والمحيطات بينما يمكننا نصب كمينا استراتيجيا لها لا يعتمد علي حجم المهاجمين والمدافعين بقدر ما يعتمد علي التجهيز لهذا الموسم تقنيا وبدنيا, فتقوم الشركات العاملة في إنتاج التونة المعلبة علي نصب أفخاخ ضخمة للغاية لصيد أفواج التونة القادمة من رحلتها الطويلة في المحيط, وتكون النتيجة أن دول المتوسط لا تجد لديها إلا تقاريرا عن انخفاض خطير في عدد وكمية وحجم الأسماك بمياهها الإقليمية, فلا تكتفي مصايد الأسماك بتدمير البيئة ولكن أيضا تذهب حيث تضغط علي الاحتياجات البشرية ذاتها, وهذا لديهم منطقيا بالنظر إلي العائد الاقتصادي العملاق الذي يحققوه جراء هذا الفعل, فلا يحق للبشر المقيميين علي سواحل المتوسط أكل التونة إلا معلبا من منتجاتهم...
نجح الباحثون في تحقيق خطوة غاية في الأهمية برفع أبحاثهم ونتائجها وتوصياتها للجنة الاقتصادية لدول السبع لمناقشة هذا الوضع الخطير واضعين في توصيات دراستهم انه يجب تقنين الصيد بمعدل خمسة ملايين طن من الأسماك سنويا, وفي محاولة للتعرف علي وجهة النظر الاقتصادية لصناعة الصيد قامت دول السبع بدراسة تكاليف عملية الصيد وإمكانية الاسترداد لرأس المال فوجدت أن نقطة التعادل تساوي سبعة ملايين طن سنويا, ولكن تحقيق الأرباح المأمولة يكون عند أثني عشر ملايين طن سنويا, والعجيب في الأمر أنه خرجت مجموعة السبع بقرارات بتقنين صيد السماك حتي ثلاثون مليون طن سنويا...
بدعوى أن هذا يتيح إمكانية التطوير العلمي والفني لصناعة الصيد, مع العلم بأن التطوير العلمي والفني لصناعة الصيد يعتمد دائما علي سياسة وفورات الحجم, بمعني أن التطوير التي تأمله وتدعمه دول السبع بما يعادل ثماني عشر مليون طنا سنويا من الأسماك يعمل علي زيادة حجم سفن الصيد وشباكه وميكانات صناعته توفيرا للنفقات, وهذا بالطبع ما سيدفع لرفع حجم هذا السقف لرد رأس المال المستثمر في صناعة تلك السفن العملاقة والآلات العاملة علي تعليب الأسماك بهذا الحجم, كما أن هناك عاملا آخر لرفع السقف وهو النمو السكاني العالمي الطبيعي وبالتالي زيادة الطلب علي أسماك التونة.
بالطبع أصيب العلماء بخيبة أمل شديدة جراء تلك القرارات السيادية, وبالطبع تم تجاهل أمور البيئة واحتياجات البشرية وغيرها من القيم التي لا تزن كثيرا في هكذا اجتماعات, ولكن والغريب في الأمر انه تم إنتاج فيلما تسجيليا عن هذه الحالة يسلط الضوء علي المشكلة وعلاجها والتحديات السياسية التي تواجه العلماء في هذا المجال وتم إذاعته في أحدي القنوات العاملة في مجال الترفيه العلمي, وحققت هي أيضا أرباحا جراء هذه الأبحاث والإنتاج الفني عالي التقنية للفيلم, اما بشأن التونة وسكان المتوسط فمن المعلوم الآن أنهم يواجهون تحديات كبري, تصل هذه التحديات إلي حدود البقاء, فالتونة هي واحدة من الكائنات التي تتعرض للإبادة علي يدي الإنسان, وسكان المتوسط هم نوعا من البشر الذين يواجهون مشكلاتهم الخاصة بالجوع والجهل والفقر في مواجهة الأنظمة السيادية العالمية.
وما هذا إلا مثلا....
الموحد




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.