المطبخ السياسى - العدالة الإجتماعية والعدالة الجغرافية

العدالة الإجتماعية والعدالة الجغرافية


فى يوم الاثنين 30/9/2013


حين يضيق الأفق ويقصر النظر . . . تغيب الحلول وتبقى المشكلات حجر عثرة أمام استشراف أفق جديد . . . تمخر فيه سفينة الوطن متحدية كل الأنواء . . . وهذا ماحدث حينما اختصرنا العدالة فى فئة إعتبرنا فيها أن تحقيق الكفاية لها يدنو بنا إلى تحقيقها . . . وغفلنا عن باقى روافد العدالة التى لابد أن نبلغها وأن ننهل منها إن أردنا تحقيقها . . . فإن شئنا أن نمد نظرنا لرأينا للعدالة أشكالاً كثيرة تتعدى حدود العدالة الإجتماعية لأن اختصارها فى هذه الحدود انتقاص منها وغياب لاكتمال الصورة.

فإذا أردنا حلولاً فعلينا أن تكون الحلول متكاملة حتى تبتر كل المشكلات من جذورها.

وفى حديثى عن العدالة أردت أن أنهل رافداً من روافدها قد يغيب عن كثير منا ولكنه من الأهمية بحيث لانغض الطرف عنه. وحديثى هنا عن العدالة الجغرافية. وقد يندهش البعض ليقولوا لى أهناك عدالة من هذا النوع ؟!! فأجيبه بنعم وسأسرد له حتى يتسنّى له أن يعلم أهميتها. فقد شاءت الأقدار خلال كل العقود السابقة أن تغيب شمس هذه العدالة عن سماء بلادنا. فثروات بلادنا ومواردها غاب عنها القسط فى توزيعها وصار لبعض أفراد هذه الأمة نصيب الأسد من خيراتها, بينما ترزح أفراداً أخرى تحت أعباء تنوء الجبال عن حملها أضف إلى ذلك أن عليها العطاء برغم سياط الحرمان التى تقطع أوصالها. فإذا شئت أن تدنوا بالصورة لتبصر كل تفاصيلها فستجد أفراداً تعطى ولا تأخذ وأفراداً تأخذ ولاتعطى . . . وأفراداً مزقهم النظام عن نسيج مجتمعنا ليصبحوا قنابل موقوتة تهدد أمن هذا الوطن.

فالمعلوم لدينا جميعاً أن المجتمعات هى عبارة عن مدن وقرى تشكل فى مجموعها الدولة. أما الأفراد فهم بين الحضر والبدو وأهل القرى وأهل الصعيد. وبنظرة ساطعة لا يخالجها شك, سترى بعينك جوراً فاضحاً لأفراد على حساب أفراد.فقاطنى المدن ينوبهم من العطاء الكثير برغم قلة خدماتهم للوطن وأهل القرى والصعيد عليهم البذل والتضحية حتى وإن عز عليهم العطاء أو اختزل منهم. أما أهلنا فى سيناء فحدث ولاحرج فقد صاروا بالأرض التى يعيشون عليها وحيا عليها كل أجدادهم غرباء معزولون. وقد عزز هذه العزلة فى نفوسهم أن أرضهم ليست ملتحمة بجسد أمهم فافتقدوا الدفء حتى بردت مشاعرهم من هذا الوطن. وعزفت أبواق الإعلام وطبوله ألحاناً تنفرنا منهم . . . وبلغت بهم من الكراهية أن يتعانقوا مع أعدائنا وأعدائهم وأن يتعاونوا معهم. والنظام قد أقصاهم عن كل مؤسساته فليس لهم أن يذودوا بأرواحهم عن تراب هذا الوطن . . . كما عزت عليهم أن يملكوا الثرى الذى يسيرون عليه.


أما أهلنا فى القرى والصعيد فعليهم أن يبددوا من فتاتهم الكثير حتى يلحقوا بأهلهم فى المدينة أملاً أن يغنموا فرصة من عمل أو علاج. ولأن أرضهم رغم العطاء جفت فيها المنابع وشحت فيها أسباب الحياة. كان عليهم أن يزاحموا أهلهم فى المدينة أملاً فى ارتقاء سلم النجاح وسعياً نحو معيشة أفضل تليق بإنسانيتهم التى أبت كل الأنظمة عن توفيرها لهم.

هذا غيث من سيل . . . والحديث فى كل نقطة علينا أن نفرد له حديثاً منفرداً  إن أردنا أن نضع يدنا على مشاكلنا أملاً فى أن يبرأ مجتمعنا مما ألم به من آلام . . . فإذا كان هذا هو حال أفراد نعول عليهم بناء هذه الأمة وتعويض مافاتها.  فإنه من المحال إصلاح الحال.  ليس لأنه محال ولكن لأن عضدنا قد فت من الظلم وغابت العدالة عن أهل الوطن الواحد وكأننا انقسمنا رغم أننا نحيا على أرض واحدة. لهذا فأن العدالة الجغرافية لاتقل فى الأهمية والأولوية عن العدالة الإجتماعية التى انشغلنا بها عن أهلنا وأغدقنا الإهتمام بفصيل وأهملنا الباقى وغضضنا الطرف عن مشكلاتنا أملاً أن يداويها الدهر دون نصب منا أوعناء من أجل حلها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.