تجربتي عن التواصل الاجتماعي - الحلقة الأولي




بالرغم من معرفتي وتجربتي لموقع التواصل الاجتماعي الأشهر Facebook  بدأت منذ عام 2007, إلا أن اهتمامي الفعلي به بدأ بعيد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 والملقبة بالربيع العربي.
كانت أهم عوامل الجذب بالنسبة لي في خوض هذه التجربة كان مصطلحا اشتهر حينها وهو مصطلح "الواقع الافتراضي".
أعذروني لتحفظي الشديد في استقبال المصطلحات والوقوف عليها مليا قبل تقبلها, فهي في الواقع قد تحمل في طياتها كثير من الآثار علي المفاهيم الاجتماعية والبشرية, وخاصة علي تلك الفئة الشابة التي لا تحمل نفس محتوي المفاهيم التي لدينا, والتي يعد الواقع الافتراضي بالنسبة لهم هو الواقع ذاته, وحقيقة لا جدال فيها.
بداية...
وجهات النظر بشأن مصطلح الواقع الافتراضي أنه محض خيال, تعيشه كأنه واقع,,,
ولكن المصطلح أثار اهتمامي من وجهتين نظر....
الأولي كيف يمكن وصف الخيال بصفة الواقع, وكيف يمكن وصف هذا الواقع بأنه افتراضي بمعني انه ما يجب أن يكون....
ولو وصفنا هذا الواقع بأنه افتراضي بمعني أنه ما يجب أن يكون, يكون واقعنا الذي نعيشه يعبر عن ما هو كائن....
وبالتالي فقد يكون هذا الواقع الافتراضي طريقة جديدة للتعليم
تنقل المجتمعات من واقع كائن لواقع يجب أن يكون
لهذا بدأت بتدوين ملاحظاتي وأخوض في تجربة الواقع الافتراضي لدراستها بشكل أكثر تفصيلا, للوقوف علي حقيقة هذا المصطلح, ولم تكن تجربة Facebook هي النموذج الوحيد الذي درست من خلاله الواقع الافتراضي, ولكن كانت هناك نماذج عدة محل الدراسة تتضمن واقعا افتراضيا, وبالتالي فتقيمي لتجربة Facebook لم تكن تجربة التواصل الاجتماعي وأدواته فقط, بل ودراسة المصطلحات التي تشملها هذه المنظومة الاجتماعية والتعليمية البشرية الجديدة.
1-      التصنيف
تجميع وتصنيف البيانات يجعل عملية إجراء دراسات واستبيانات وربط هذه البيانات في حزم محددة لتحويلها لمعلومات في الوقت الفعلي أمرا غاية في السهولة, كما أن مؤشرات الانتشار للأفكار ومعدلات تداولها يحقق أهداف دراسة الرأي العام والمحتوي المعرفي للمجتمع محل الدراسة.
ويمكن المزج بين عدد من المتغيرات لتحديد وجود علاقة بين هذه المتغيرات من عدمها علي مستويات عدة,
 فعلي سبيل المثال يمكن دراسة وجود علاقة بين "نظرية المؤامرة" علي سبيل المثال ونطاق انتشار هذه النظرية جغرافيا.
لاستخراج نتيجة مثلا إن العرب يعتقدون أكثر من الأفارقة بنظرية المؤامرة....
وتشمل هذه التصنيفات الموقع والجنس والفئة العمرية والميول والقراءات ونوعيتها والهوايات ونوعيتها والاهتمامات ونوعيتها وغيرها من الفئات التي تجعل دراسة المجتمع أو أي فئة فيه بغاية السهولة وتتم في الوقت الفعلي.
وبالتالي فموقع Facebook يقوم بدراسة المجتمعات وتقديم بيانات عنها تساعد في صناعة النظريات الاجتماعية والتسويقية وغيرها من النظريات التي قد تستخدم أي فئة من هذه الفئات كهدف للدراسة والتحليل واستخراج النتائج.

2-      التواصل
بالرغم من أن الهدف العام والمعلن من موقع Facebook هو إتمام مراحل التواصل البشري للوصول للتواصل الكامل, إلا انه يمنع تواصل البشر دون معرفة مسبقة بين الأشخاص, وهو ما يعني انه بشكل ما يحافظ علي وجود حواجز بين المجتمعات, ولكنه يتطلع لدراسة المجتمع بشكله التفاعلي مع الحفاظ علي كونه مجتمع محدد, وبالتالي يضع من القواعد ما يمنع تواصل المجتمعات بشكل حر وكامل, ففي الغالب توجد نطاقات من المجتمعات تشمل أصدقاء العمل أو الدراسة أو النطاق الجغرافي أو أصدقاء مشتركين أو أفراد العائلة وهي النطاقات المسموح فيها التواصل بشكل حر, وما دون ذلك يواجه مجموعة كبيرة من القيود لإتمام هذا التواصل.
ومن هنا نستنتج انه خارج عن الهدف الأساسي من أدوات التواصل الاجتماعي, بل هو أداة لدراسة التواصل المجتمعي عن قرب, وإلا كان التواصل بين الثقافات المختلفة متاحا أمام هذه الأداة الاجتماعية الهامة, مع ملاحظة إن حوار الحضارات هو هدف عالمي في الأساس, وكان من الأولي لإدارة الموقع أن تتيح هذه الأداة لخدمة التواصل البشري بلا قيود لإتمام هذا الحوار بين الحضارات.
3-      أدوات الإشارة
استحدث موقع Facebook مجموعة جديدة من أدوات الإشارة الإليكترونية التي تساعد النظام في تحليل المعلومات بشكل أفضل من خلال الاستعانة بالعنصر البشري ذاته في تحديد الاتجاهات والاهتمامات للمستخدمين.
ومثال لهذه الأدوات النكز والمينشن والهاشتاج والتاج
وكلها يستخدمها العنصر البشري لصناعة فئات جديدة من الاهتمامات والإشارة للأصدقاء المشتركين في ذات الفئة من الاهتمامات, وتعبير عن العلاقة بين العنصر البشري في نطاقات مختلفة بفكرة ذات قاسم مشترك بين هذه النطاقات.
وهذه الخدمات تعبر عن عجز النظام لتحديد العلاقة بين نطاقات مختلفة, إلا باستخدام العنصر البشري ذاته, وبالتالي فالموقع يوظف الطاقة البشرية في تحديد العلاقات بين هذه النطاقات المختلفة من خلال هذه الخدمات, ويرصد تطور العنصر البشري في استخدام تلك الأدوات ليصنع نطاقات جديدة أكثر أتساعا وتحديدا من النطاقات التقليدية الثابتة والتي يستطيع النظام رصدها وتحديدها تلقائيا.
4-      الخدمات الإخبارية
يعتمد مستخدمي موقع Facebook كثيرا عليه في معرفة الأخبار والأحداث الدائرة علي الساحة, وخاصة في تلك المناطق الساخنة والمليئة بالأحداث, إلا أن تداول هذه الأخبار بشكل حر يجعل المساحة للتلاعب بالحقائق من خلال تبني عدد كبير من وجهات النظر المتضاربة أمرا سهلا وشائعا, مما يشوه الإدراك الجمعي لحقيقة الأخبار والأحداث, وبالتالي فالخدمات الإخبارية ليست خدمات إعلامية ترفع من المحتوي المعرفي للعامة بالقدر الذي تساعد فيه في تشويه الرأي العام وإدراكه من الأساس.
كما أنه يساعد كثيرا في تحليل أدوات تطور الإشاعة, ومدي الوعي البشري في تداول المعلومات وخاصة تلك المتعلقة بالأمن العام, وعدد كبير من الدراسات الاجتماعية والمعلوماتية التي تضر بالمجتمع من حيث كونه مجتمع في حد ذاته....
فبغياب الإجماع حول القضايا التي توصف بالخلافية, يغيب الترابط المجتمعي الفطري حول قضاياه الأساسية, وتلك القضايا الأساسية بتحولها لقضايا خلافية تدمر الروابط الاجتماعية الفطرية, وتتسبب في صناعة فجوات كثيرة في النسيج الوطني.
وذلك التضارب والانسياق الاجتماعي تجاه الخلاف يذهب بالقيمة الإخبارية للموقع أدراج الرياح, وتظهر هذه النتيجة جلية عندما تجد منشور واحد يعبر عنه من وجهتين نظر مختلفتين كليا, ويتبناه كل واحد من وجهة نظره....
هذا بالإضافة للمنشورات الغير صحيحة والتي تنقل أخبارا غير حقيقية كليا عن صراعات بشرية في مناطق مختلفة من العالم, والتي قد تؤدي بالجنس البشري لحالة من الصدام والغضب والكراهية يتجنبها البشر كليا كدرس مستفاد من الصراعات التاريخية القائمة علي التطرف والانسياق الأعمى وتزييف الحقائق.
وبالتالي فالخدمات الإخبارية في مواقع التواصل الاجتماعي خارجة تماما عن الهدف الحقيقي التي تستخدم لأجله وهو زيادة الوعي البشري بحقيقة وطبيعة وحجم الصراعات, وتحجيم الصراع البشري في حدوده الدنيا, واستخدام الاتصالات كدرع بشري من الوقوع في صدامات قد تهدد الجنس البشري ذاته.
5-      الثقة
يحتوي موقع Facebook علي معدلات مرتفعة جدا من الاحتيال, أهمها طبعا الاحتيال الشخصي بإدعاء شخص أنه شخص آخر من خلال عدد كبير من الطرق والوسائل, كصناعة حسابات مزيفة أو تقديم بيانات خاطئة وغيرها من الطرق والوسائل التي تقلل من نسب الثقة بين مستخدمي الموقع.
بالطبع الدافع لسلوك هذا السلوك البشري الغريب يتباين تبعا لعدد كبير من المتغيرات, فالدافع وراء الاحتيال يختلف باختلاف الثقافات وطبيعة المجتمعات والهدف الشخصي من الحساب وعمر المستخدم وجنسه وغيرها من المتغيرات...
وعلي الرغم من أن الاستخدام الخاطئ لأدوات التواصل الاجتماعي ليس خطأ إداري بقدر أنه خطأ بشري محض, إلا أن هذا الكم الهائل من الاحتيال يؤثر علي التجربة في حد ذاتها, وبالطبع يوجد اتجاهات إدارية لتقليل حجم التلاعب والاحتيال من خلال تأكيد الهوية باستخدام أرقام الهاتف والبريد الإليكتروني وغيرها من الوسائل التي تسعي بها إدارة الموقع التأكد من هوية الشخص صاحب الحساب لتقليل هذا الكم ووضعه في حدود دنيا مقبولة, إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي إلي يومنا هذا تحمل كما هائلا من التلاعب والاحتيال وخاصة في تلك الأنشطة المتعلقة بالربحية كالحسابات الجنسية والمروجين للسلع والخدمات والأشكال المختلفة من التربح.
حتى أن موقع Facebook شهد ظهور ما يسمي بـ "اللجان الإليكترونية", وهو ما يعبر عن مجموعة صغيرة من المستخدمين المحترفين يعملون سويا علي نشر أفكار معينة من خلال التلاعب بحجم الحسابات ونسب الظهور لمنشوراتهم وتزييف المنشورات المصورة والصوتية لتشويه الوعي الجمعي, وهي أعمال قد تعد تخريبية في كثير من الأحيان, وقد تساعد في عمليات النصب وجرائم المعلومات وغيرها من الأنشطة التي تؤثر علي تجربة المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي.
6-      المعلومات
من أكثر الإيجابيات لموقع Facebook هو تداول المعلومات, وخاصة تلك المعلومات التاريخية والثقافية والدينية, وكذلك المعلومات الصحية والعلمية الحديثة, وبالفعل تشير بيانات تحليل مستخدمي الموقع لوجود رواج كبير لتلك الصفحات والمجموعات العاملة علي نشر الوعي المعلوماتي والثقافي....
وأنا شخصيا أجد في تلك النوعية من الصفحات والمجموعات غذاء فكريا وثقافيا غنيا جدا, ولعل هذه الميزة من مزايا التواصل الاجتماعي الأهم من وجهة نظري الخاصة....
إلا أنه وللأسف الشديد شهدت تدهورا كبيرا في الفترة الأخيرة من خلال نشر معلومات غير صحيحة كليا أو مغلوطة أو مشوهة دون تدقيق من المستخدمين, فيمكن نشر معلومات دينية غير مدققة, ومعلومات صحية غير حقيقية, حتى وصلت لصور حيوانات ونباتات معدلة رقميا وغير حقيقية كليا ونشر معلومات عنها وتداولها....
كما أن بعض الصفحات والمجموعات تستخدم المعلومات وخاصة الدينية لاستقطاب جمهور لهذه الصفحة لإدراكهم مدي تأثير المنشورات الدينية والعلمية علي المستخدمين, ولأنهم من غير المتخصصين غالبا ما ينشرون تلك المعلومات الخاطئة, هذا إن لم نعتبر أن نشر المعلومات الخاطئة متعمد أصلا....
كما أن هناك حجم كبير من المنشورات الهادف لإثارة الغرائز بشكل متعمد, ليست فقط الغرائز الجنسية والدينية المتطرفة والشاذة, ولكنها تصل لإثارة غريزة الغضب بمنشورات ومقارنات بين الديانات والكتب السماوية والدول والأعلام والأعراق والأفكار والأيدلوجيات وغيرها من المعلومات التي تتلاعب بمشاعر البشر واعتقاداتهم وسلوكياتهم اليومية.

----------------------------------- >>>> يتبع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.