الأيدلوجية الإنفصالية - الخلافة 4

معيار "التواصل"
ماذا تعلمت من الصرصور؟!
قد يأخذ قوما هذا الحديث سخريا, لأنهم نسوا قول الله تعالى "إإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ "
أعلموا أيها السادة .....
أن من أهم سمات الخلفاء أنهم يعملون علي إتمام قدر متعاظم من التواصل, سواء علي المستوي البشري- بشري, أو علي مستوي البشر وسائر أشكال الحياة.
وتتباين أشكال التواصل من مستوي "التواصل بالتعليم", إلي مستوي "التواصل وتبادل التعليم".
فالتعلم من أشكال الحياة هو سمة رئيسية للإنسان كخليفة لله في الأرض, فمنذ الإنسان الأول وإلي اليوم, يتعلم الإنسان من أشكال الحياة دروسا قيمة للغاية, فمن الحكمة مرورا بالعلم وحتي أنماط التفكير والتعليم, يتخذ الإنسان من أشكال الحياة أساليبا تمكنه من إدارة الحياة بشكل أفضل, وبالتالي فالتأمل في خلق الله شكلا من أشكال التواصل.
يوازيه قدرة الإنسان علي التواصل مع أشكال الحياة المختلفة لتسلك سلوكا ينم عن تعلمها من الإنسان ما يمكنها من القيام بواجباتها بشكل أفضل, وهو أيضا شكلا من أشكال التواصل.
لا جدال في أن إنتقال البشرية لمستوي جديد كليا من الحضارة لن ينفك إلا عن إرتفاع قدرة الجنس البشري في إحداث تواصل جاد وتام مع عدد من أشكال الحياة, يمكن ذلك الإنسان من الإنتقال الآمن لمرحلة حضارية جديدة, وإن لم تكن جديدة كليا, حيث أشير في عدد كبير من المصادر التاريخية وأهمها المصادر الدينية, إلي إمكانية إحداث تواصل بين اشكال الحياة المختلفة, كذلك أكدت الدراسات العلمية الحديثة علي قدرة أشكال متباينة من الحياة البرية التواصل فيما بينها علي مستويات مختلفة من "التواصل بالتعليم" إلي مستوي "التواصل وتبادل التعليم".
ففي المصادر الدينية علي سبيل المثال ذكر سيدنا سليمان -وهو إلي جانب النبوة هو أحد الخلفاء العادلين لله في أرضه, حيث آتاه الله الملك والحكمة- الذي كان علي تواصل بأشكال متباينة من أشكال الحياة تصل إلي التواصل مع الجان.
كما أنه يذكر أن رجلا أسمه نفيل بن حبيب الخثعمي قد نقل إلي أحد أفيال أبرهة الحبشي أنه عليه عدم المشاركة في هدم بيت الله الحرام قائلا " ابرك محمود، وارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام ", وأستجاب الفيل علي الفور, وقد يكون الفيل نفسه من نقل رسالة هذا الرجل لبقية الأفيال فأطاعوه.
وفي المصادر التاريخية ذكر أن أباطرة الصين كانوا يستخدمون نوعا من الطيور لنقل الرسائل من أسقاع البلاد المختلفة, وذلك من خلال تعليم هذه الطيور النطق بصوت يشبه "الببغاء", ولكنه قادر علي إستخدام الكلمات بشكل ينم علي فطنة لدلالة الكلمات, ولازالت هذه الطيور موجودة غلي اليوم.
وفي أحد التفسيرات العلمية لقدرة الحيوانات المهاجرة في أفريقيا – كالأبقار الوحشية والأفيال والحمر الوحشية – علي تتبع الأمطار, لترسم في رحلاتها أول خريطة للطقس علي الأرض, أنها تتواصل مع الطيور التي تقف فوق أكتافها, لتكون هذه الطيور المروض الأول للحيوانات علي الأرض, وهي بذلك تقود الحيوانات الضخمة نحو الطريق الصحيح, تماما كما يفعل البشر في قيادة الحيوانات بعد ترويضها.
وفي العصر الحديث يسير الإنسان جديا لتحقيق هذا النوع من التواصل بين الجنس البشري وأشكال الحياة المختلفة, ويتطلعون إلي تحقيق تواصل بين الجنس البشري وأشكال مختلفة من الحياة إستنادا لقصة فيل أبرهة الحبشي وتواصله مع أحد المؤمنين وإبلاغ رسالته لبقية الأفيال, فيعملون علي تدريب حيوانات في الأسر وإتمام التواصل معها, وإستخدامها في مرحلة لاحقة كرسل لبني جلدتها تحمل رسالة من البشر.
ولعل التجارب علي القردة العليا هي أكثر التجارب نجاحا إلي الآن, إلا أن مستويات التواصل من خلال التعليم تصل في حدودها الأقصي بإستخدام الحيوانات في الحروب كالدلافين والدببه والكلاب, وهو أمر وإن أظهر شكلا من أشكال إستخلاف الله للإنسان في الأرض من حيث إتمام التواصل, إلا أنه ينم عن إفتقار الحكمة وسوء لإستخدام السلطان الذي وهبه الله للإنسان, قد يراه إنسان آخر علي إنه أمرا إعتياديا مشابه لما حدث قديما من إستخدام الحيوانات كالخيل والجمال والأفيال في المعارك, ولكنه وإن حدث قديما لا يعني أنه أمرا إعتياديا, لأنه في الأصل لم يأتي الإنسان ليسفك الدماء ويفسد في الأرض, ولكن الله بعثه ليعمر الأرض ويحسن فيها للإنسان والحيوان والنبات.
فالأصل أنه لا إقتتال بين البشر, ولا حكمة إطلاقا في قتل الحيوانات أو تقطيع الأشجار نتيجة لوجود خلاف بين بني البشر, فهذا يجعلني أضرب مثلا لرجلا عصبي المزاج يرتاح بتكسير الأشياء المحيطة به, في الواقع أن هذا لا يغير من الواقع إلا أنه يزديده سوءا, وما التغيير والشعور بالراحة إلا لحاجة في نفسه بإشعار ذاته بالقوة والسيطرة الوهمية.
وعموما لا نستطيع التحدث عن خلافة الإنسان لله في أرض الله, دون أن نتحدث عن الإنسان العادي, ودوره المنوط به لتفعيل خلافته لله في الأرض كأسلوب حياة, وهو ما يعني تحمله لمسئولياته, وإدراكه لحكمة وجوده.
إتمام التواصل كمعيار لخلافة الله للإنسان في الأرض يعني البعد عن المشكلات المجتمعية المؤدية لحتمية الصدام , والتأكد من أنه لا سبيل لتجاوز هذه المشكلات إلا بالتواصل, فلا نزاع ولا تشاجر بين إنسان وإنسان إن كانا مدركين لحقيقة الخلافة ومسئولياتها.
كما أن الإنسان يجب أن يدرك تحريم الله لمال الكلب إلا المدرب منها للصيد أو الحراسة, حيث يجب علي الإنسان أن يتواصل مع أشكال الحياة المختلفة ليس فقط للتظاهر والتباهي, ولكنه ملزم بإتمام تواصل بناء بينه وبين أشكال الحياة المختلفة, والإنسان مأمور بالتأمل في خلق الله والتعلم منه كأدني شكل من أشكال التواصل, وهو "التواصل بالتعليم", ولكن لازال الإنسان يجب أن يعمل علي إتمام تواصل من مستوي "التواصل وتبادل التعليم".
كما أن رعاية أشكال الحياة والإهتمام بها وتدبر معيشتها ورعايتها هي مسئولية لازال عدد كبير من البشر إلي اليوم يقومون بها دون الوعي بحقيقة أنها مرتبطة مباشرة برسالة الإنسان وحقيقة وجوده, وعلي الخلفاء المدركين لحقيقة رسالتهم ودورهم المنوط لهم رعاية أشكال متباينة من الحياة والتأمل في شأنها وتيسير سبل الحياة لها كخلفاء لله في الأرض.
أيها السادة الأفاضل....
التواصل هو سمة هامة للخلفاء...
كونوا علي تواصل حتي لا ينقطع الرابط....


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.