الأيدلوجية الإنفصالية - مقال السنوات الثلاث 1.


بسم الله الرحمن الرحيم

السادة الافاضل متابعي مدونة "أنا وطني" هذا المقال تم إعداده في سنوات ثلاث, أرجو من الله أن يلقى هذا العمل رضاكم متابعي الكرام....

وكمقدمة تساعد متابعي المدونة في تفهم الصعوبة التي واجهتني في إعداد هذا المقال, فإن "مقال السنوات الثلاث" يحاول الاجابة عن سؤالا فلسفيا شائكا...

 كيف يمكن للمرء التفرقة بين الحقيقة والخيال؟

هذا السؤال الذي يبدو عميقا أعتبرته علي مدار السنوات الثلاث السابقة - (2016 : 2019)- تحديا منطقيا وفلسفيا علي إجتيازه والاجابة عنه.....
لذا بدأت في البحث والتنقيب وتلمس الاجابة في كافة الاتجاهات التي يمكن ان تتطالها حواسي, لإدراك سبيل محدد وآلية واضحة قادرة علي التمييز بين الحقيقة والخيال....
ولقد كانت ملاحظتي الاولى في هذا الصدد هو أنه عند توجيه هذا السؤال لأي إنسان - من من طرحت عليهم هذا السؤال- كان يجيب بتعريف الحقيقة والخيال من وجهة نظره, وبغض النظر عن حكمي علي صحة الاجابات التي تلقيتها عن مفهوم الحقيقة والخيال, إلا أنهم جميعا تجاهلوا أداة الاستفهام "كيف" وأجابوا عن السؤال بصيغة "ما", وهو ما لا أبحث عنه بين البشر, حيث قدم الفلاسفة العديد والعديد من التعريفات الفلسفية للحقيقة والخيال علي حد سواء, ولكني كنت أبحث عن آلية واضحة يستعملها العقل البشري للتمييز بين الحقيقة والخيال, ولقد سيق إلي حينها أنه لابد من أن  ثمة آلية واضحة يستخدمها العقل البشري للتمييز, وإن عدم وجود هذه الآلية قد يكون مؤشرا عن وجود خلل عقليا ما أو نقصا معرفيا شديدا...

ولأني لم أجد عقلي حاضرا للإجابة علي هكذا تساؤل, فما كان مني إلا أني أخذت هذا السؤال علي محمل الجد, معتقدا ان "كل إنسان غير قادرا بشكل ما علي التمييز بين الحقيقة والخيال يحمل عقلا قاصرا بشكل أو بآخر, وعلي من إدعى قدرته علي التمييز بين الحقيقة والخيال أن يعي الآلية التي من خلالها إستطاع هذا التمييز".....

قبل المضي قدما ... أحب أن أشير إلي أنني غير محاط بالفلاسفة في حياتي لسؤالهم ولا يمكنني إعتبار الاجابات التي تلقيتها عن من هم حولي مقياسا للإجابات الرشيدة, لهذا علي كافة القراء الاعزاء, من يرون في أنفسهم القدرة علي التمييز بين الحقيقة والخيال من خلال آلية واضحة , تقديم إجاباتهم في التعليقات مشكورين, وعلي من يعرف أحدا من هؤلاء الفلاسفة والحكماء القادرين علي الاجابة عن هذا السؤال أن ينشر ويمرر هذا المقال لهم عسى أن ينفعنا الله وإياكم بعلم عالم....
ونصيحتي أن كنت من من لديهم إجابة واضحة عن تساؤلي أن تجيب عنه الآن  وقبل قراءة المقال, حيث كان كل ما سبق مقدمة للمقال المذكور, حتى لا يؤثر علي رأيك تداخل أو التباس أثناء رحلة البحث....
إحقاقا للحق....

كانت الاجابة الابسط عن سؤالي أكثرها دقة, غير انها كانت غير صحيحة من المنظور التاريخي, كما أنها لم تصب سؤالي بصيغة "كيف" كغيرها من الاجابات, ولهذا وقبل الشروع في البدء في  "مقال السنوات الثلاث" علي أن أذكر هذه الاجابة كأكثر الاجابات دقة تلقيتها عن من هم حولي....
ذكر صديقي العزيز....

 "الحقيقة ما أجتمع الناس علي أنه حقيقة, والخيال ما أجتمع الناس علي أنه خيال"

هنا ..... وهنا بداية رحلتنا....
نجد أن ما اعتبره الناس حقيقة مسلم بها يوما, هو اليوم ليس بحقيقة في مطلقه أو في أغلبه....
كما أن ما أعتبره الإنسان خيالا محضا يوما, هو اليوم واقعنا المعاصر....

ما ينتج عنه انه لا يمكن إعتبار الإجماع البشري علي الحقيقة والخيال مقياسا للتمييز بينهم....
ويكفينا تذكر التاريخ الملئ بقتل العلماء والفلاسفة من أصحاب الرأي لمخالفاتهم الناس حول الحقائق التي نعيشيها اليوم, ومدى المقاومة التي واجهوها من الناس غير المؤمنين بهذه الحقائق, ليتأكد لدينا أن هذا ليس مقياسا يعتمد عليه في التمييز بين الحقيقة والخيال....
ولكن تذكر هذه المشاهد يلقي سؤالا هاما قد يدلنا إلي الطريق....

هل تكون الحقيقة ما أدعى صاحبها أنها حقيقة ؟!!!

بالطبع لا يكفي البشرية دعوى صاحب الحقيقة بحقيقة قوله حتى تغير البشرية منظورها نحو الحقيقة, ويجب علي البشرية الحصول علي "البرهان" لإثبات الحقيقة.

حتى هذه النقطة نكتشف أن الخيال يتحول إلي حقيقة بالبرهان, والحقيقة تتحول إلي خيال أيضا بالبرهان.....
حتى هذه النقطة لم أجد فرقا يميز بين الحقيقة والخيال.....
لابد ان من ينشء الخيال هو القادر علي التمييز بينهم....
فالفنان علي سبيل المثال هو صاحب الخيال ومنشئه, وحتى ان وصف الناس الفنون بالجنون إلا أنهم ليسوا بمختلين عقليا, ويعترف العالم أسره بفنونهم وخيالهم, وبالتالي هم الاجدر علي تمييز الحقيقة والخيال....
وبالتالي علينا سؤال أحد هؤلاء الفنانين اللذين تولد من رحم خيالهم الحقيقة.

 هل كان يرى كتاباته حقيقية أم انه كان يراها خيالا؟!!!!

كان "جولي فيرن" أول من خطر ببالي لتوجيه هذا السؤال إليه, كأحد أهم الكتاب الذين تحول خيالهم إلي حقيقة, وحيث انني شخصا لا أعلم من الفنانين إلا بقدر ما أعلم من العلماء والفلاسفة :)

فكان هناك نموذجا أقرب لأطرح عليه هذا السؤال.....

وهو أنا .... :)

حيث أنني كنت قد كتبت قصة في المرحلة الاعدادية, قد تراها عزيز القارئ طفولية بعض الشئ ولكنها نموذجا جيدا للقياس عليه....
"تحكي قصتي عن غزاة فضائيين تقع بينهم وبين الارض معاهدة أو بالمعني الادق مقامرة تقرر مستقبل الارض, وهي مجموعة من مباريات كرة القدم تدار بين الارض والفضائيين, وبالتالي فمواقع المباريات بعضها يقع علي كوكب الارض, وبعضها ملاعب أسست في الفضاء"

في الحقيقة ومنذ أربعة سنوات فقط شاهدت أحد البرامج الوثائقية يتحدث عن ما أسموه "بالسياحة الفضائية" وجاء فيها ذكر "الملاعب الفضائية" كأحد المواقع التي يمكن أن تزورها مستقبلا في رحلتك السياحية للفضاء.

نعود لمحور مقالنا....

 هل كنت كفنان أعتقد بأن خيالي هذا قابلا للتطبيق, أو هل كان من الممكن لي أن أدعي بأنه حقيقة ؟!!!

بالطبع كنت أصنف هذا العمل علي انه خيال محض, ولم يكن لدي أي لبس في ذلك....
ولكنه علي ما يبدو لي اليوم أنه حقيقة ما دام هناك لهذا الخيال قدرة علي التطبيق....
وبالتالي فإن إدعاء صاحب الخيال بحقيقة فكرته سابقا للتطبيق ضربا من ضروب الخلل أو الكذب.

وهنا يتضح لي جليا - وأتمني عزيزي القارئ أن تشاركني في ذلك - أن الخيال والحقيقة ليسا متعارضين او متعاكسين, فالحقيقة عكسها الكذب وليس الخيال, كما يتضح لي جليا أيضا - وأتمني عزيزي القاري أن تشاركني في ذلك - انهما وجهان لعملة واحدة....

حيث ان الحقيقة تنقسم إلي شقين رئيسين هما الخيال والواقع وبينهما "صناعة البرهان" التي تحول الخيال إلي واقع.

إن مصطلح "صناعة البرهان" جاء ذكره عند فلاسفة المسلمين فيما ارتبط بعلم الكلام والمخاطبة وعلي رأسهم بن رشد القرطبي...

وهنا يتضح لنا جليا الدور الذي تلعبه المعالجة في تحويل الخيال إلي واقع....

حيث ان الخيال بحاجة لمعالجة تعبيرية قادرة علي تقديم البرهان للمتلقي علي صحة هذا الخيال, ما يدفع المتلقي لتطبيق النموذج, وبالتالي تحول الخيال إلي حقيقة, وحيث انه تختلف وتتباين الوسائل التعبيرية في طرق معالجتها للأفكار, تتباين أيضا أنماط تفكير المتلقيين في فهم الرسائل التعبيرية التي تعالج الفكرة, فهناك من يستجيب لطريقة تعبيرية دون أخري, ولعل كثيرا من الأفكار التي تعد خيالا يقف نجاح تحولها إلي واقع علي طرق المعالجة القادرة علي تقديم البرهان لها....

-----عبارة إعتراضية -----

 "كم يعاني صاحب الخيال عاجزا عن  التعبير وتقديم البرهان, وكم من السنوات ينتظر البشر من هو قادر علي تحقيق الخيال وتقديم البرهان"


ولكن هل يمكن أن تجد البشرية من هو قادر علي تحقيق الخيال بتوفير البرهان حيث فشل صاحبه ؟!!!!!

بالطبع يذخر التاريخ الانساني بإثبات لحقائق حولت الخيال إلي حقيقة وذلك بعد سنوات وقرون من مواجهات دامية كما ذكرنا سلفا, فالقدرة علي تقديم البرهان لا تتم دائما بالقوانين الرياضية والتطبيقات العلمية, ولكنها ايضا قد تأتي في صور تعبيرية أدبية وفنية وتصويرية, وبالتالي فالشخص القادر علي التعبير عن الخيال يعد ممثلا عن صاحب الخيال ونائبا عنه للجمهور المتلقى بغرض تقديم البرهان أو صورة من صوره.
وقد يعبر عن نفس الخيال بأكثر من طريقة تعبيرية مما يتيح للخيال فرصا أكبر للإنتشار وقابلية أكبر للتحول لواقع ملموس.

وكما ظهر لنا جليا دور "صناعة البرهان" في عملية التحول ظهر لنا جليا دور "الممثل" القادر علي التعبير وهما جزئين ضمن أجزاء "المعالجة".....

حتى هذه النقطة وجدت من خلال رحلتي إن الحقيقة تنقسم إلي خيال وواقع بينهما معالجة لتحويل الخيال إلي واقع, يقوم فيها صانع للبرهان بصناعة هذا البرهان ويقوم ممثل بالتعبير عن هذا الخيال وتجسيده للمتلقي, مما يؤثر علي سلوكه وتحويل الخيال إلي واقع.

ولكن ....

هل كل الخيال حقيقيا ؟!!!

علما بأننا إن إعتقدنا في ذلك سنجد ان حرية الخيال قد تصبح يوما مرادفا لحرية الرأي والتعبير عنه – وهي حرية مسلم بها ومطلقة في مفهمونا نحن المسلمين عن الحرية - , فعلينا نحن البشر إن إعتمدنا تعريفا للخيال يضع الخيال جزءا من الحقيقة عند مستوى المطلق, أن نكون حذرين من إستغلال مدارس فكرية معينة من إستخدام هذا التعريف, كما أستخدمت المدرسة السفسطائية من قبل حرية الرأي للبرهنة علي ضرورة تقييده....

وبالتالي قد ينتج العقل البشري مدرسة فكرية تستخدم مبدأ "إطلاق حرية الخيال" لتقود العالم نحو الجنون مستخدمة في ذلك "الاوهام"....

نعم ....

علينا وضع آلية واضحة للتمييز .....

ليس للتمييز بين الحقيقة والخيال.....

ولكن  للتمييز بين الخيال والوهم....

 هنا منتصف الطريق ..... وفي اللقاء التالي بإذن الله تعالى سنكمل ما بدأناه ....

سنكمل "مقال السنوات الثلاث"

#الموحد

#الأيدلوجية_الإنفصالية





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

كوكب مجهول المصير - اليوم الرابع 1993