مذكرات - 2



مقدمة تاريخية: اللعب من طرف واحد One side game
دائما ما كان النظام الدولي بمثابة المهدد الأساسي للاستقلال الوطني, ويعتبر النظام الدولي المؤسس بعيد الحرب العالمية الثانية هو التنظيم الدولي الأكثر استقرار عرفته البشرية, لأنه لا يعتمد علي الصدام بين الحضارات ويعتمد التخطيط الإستراتيجي بديلا عنه.
في البداية تشكل تيار عالمي مناهض للمنظومة الدولية الحالية, وكان يحمل لواء هذا التيار دولا تحمل حلما في ريادة منظومة دولية مغايرة ومنافسة للمنظومة الحالية.
ولكنها وبسبب اعتمدها منهجية دفاعية تتبني الأفكار الرافضة للهيمنة واعتماد أهل الثقة والتشكيك في نوايا التيارات السياسية والاجتماعية الأخرى للحصول علي السيادة المطلقة, ما لبث هذا التيار ومتبنيه أن يندحروا مخلفين ثقافات بشرية مرتبكة ومتخبطة.
فإلي اليوم نجد الدول التي انتهجت هذه السياسات تخلط بين الشراكة الدولية والتبعية, وتصدر أفكار مشوهة للمجتمع بإصدار اتهامات للفصائل الوطنية بالخيانة للقضايا الوطنية والمساعدة في الهيمنة الغربية علي مقدرات الوطن, ليظلا متربعين علي عروش الوطنية دون سواهم.
والمتأمل في السياسات الدولية نجد أن الممارسات السياسية الفعلية لهذه الدول يشوبها كثير من التناقضات في المواقف, فهي فعليا جزء أصيل ولا يتجزأ من المنظومة الدولية بطبيعة الحال, وتجمعهم الشراكات التي لا تصب في مصلحة الوطن بقدر ما تحافظ علي تواجدهم المؤثر كملاك فعليين للوطن وموارده ومقدراته.
هذا ما صنع فجوة كبيرة في الثقة بين الحاكم والمحكوم, وهو ما أكددت عليه بروتوكولات حكماء صهيون فيما يخص العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
وتجد أن هذه البروتوكولات والتي تضمن تأسيس آمن ومستقر للنظام العالمي والمصالح الاقتصادية الصهيونية, وبالرغم من نشرها وتداولها, إلا انها لا تواجه بتخطيط إستراتيجي, ونجد الحكام يساعدون يوميا في زيادة فجوة الثقة بين الحاكم والمحكوم, دون تغيير في مواقفهم وأساليبهم أو اتخاذ ردود أفعال مضادة لهذه المخططات.
وهذا عكس ما يروجوه بأنه مخطط تتعرض له الدول لفرض الهيمنة الغربية علي العالم, لأنه لو كان الأمر كذلك لاجتهدت الأنظمة في مجابهة هذه المخططات بشتى الطرق التي تحد من قوة هذه المخططات علي اقل تقدير.
وهنا نجد أن هناك مجموعة من الاحتمالات الرئيسية التي تتعلق بالمواقف العربية تجاه المنظومة العالمية نسرد منها:-
1-    يجوز أن تكون سياسة الدول المحافظة في تبني أصحاب الولاءات بديلا عن أصحاب الكفاءات تجعل المنظومة الإدارية والإستراتيجية للدولة من الضعف بقدر يمنعها من وضع خطط إستراتيجية لمواجهة هذا الزحف.
2-    يجوز أن تكون السياسة الدولية المنظمة للوضع العالمي الحالي تحتوي الأنظمة الحاكمة, ولا تعتبر تهديد لها, وما هي سياسة الترهيب المتبعة إلا للحفاظ علي مراكز السلطة في أيدي الأنظمة الحالية, وما فكرة مواجهة الاستعمار ومواجهة التدخل الأجنبي إلا أسطورة كبيرة ونظرية خرافية يتم الترويج لها بشكل متعمد ومخطط.
3-    يجوز أن تكون الأنظمة الحاكمة جزء مخرب في المنظومة العالمية, واندماجها ما هو إلا تسلل داخل المنظومة لإفشالها من الداخل, وهو ما يعرض المنظومة الدولية كاملة للإنهيار.
4-    يجوز أن تكون الأنظمة من الضعف لدرجة أنها مفروض عليها ممارساتها ورسالتها الإعلامية والسياسية فرضا.
5-    يجوز أن تكون الأنظمة الحاكمة هي أنظمة دخيلة تم زراعتها لتحقيق الأهداف الأساسية للنظام العالمي, لإضعاف الدول وبسط النفوذ العالمي من خلال شق الصف ونشر التشكيك وإخفاء الحقائق وبالتالي الدوران في دوائر مفرغة.
بالطبع لا يمكن الجزم حول حقيقة هذه الافتراضات ومدي صحة كل منها, وخاصة لو افترضنا أن هناك أكثر من موضع تقاطع فيه الافتراضات السابقة, بمعني انه قد تكون الحقيقة تساوي واحد أو أكثر من الاحتمالات السابقة.
في كل الأحوال ....
لا يمكن بناء مستقبل بمعزل عن المنظومة العالمية, وخاصة في ذلك العصر الذي يعبر بالإنسان خارج حدوده الجسدية والفيزيائية للمحيط الكوني اللامتناهي الإمكانات.
وبناءا عليه يجب تغيير ورفض نظرية الاستقلال الوطني مقابل التبعية, لان الشراكة العالمية والانخراط الجاد داخل المنظومة العالمية ليست مهددة للاستقلال للوطني وسيادة الدولة, وما التبعية في شكلها الحقيقي إلا إجبار الخصم علي السير في خطوات محددة سلفا نتيجة خطة إستراتيجية من طرف واحد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.