النموذج التربوي الموحد - التربية وعلاقتها بالتعليم

·         هل هناك رابط بين العمليتين التربوية والتعليمية؟
·         هل في حال ربط العمليتين التربوية والتعليمية سيكون هناك أثرا علي العملية العلمية؟
سوف أقوم اليوم بمحاولة الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال قصة واقعية عن تربية وتعليم باحث علمي غير متخصص, وهو نموذج مصغر لعلماء العرب والمسلمين "علماء الكشكول".
وهو توثيق لنموذج تربوي عربي جدير بأن يكون "نموذج تربوي موحد" لتجاوز عدد كبير من المشكلات المجتمعية والثقافية الراهنة, وتعود الإشادة في هذا النموذج للجاهدين في صناعة أجيال قادرة علي إحداث التغيير المأمول لأمة كاملة....
الوالدين .... والمعلمين ...
ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا
الفصل الأول: عصر التساؤلات.
عادة ما يبدأ سن طرح التساؤلات عند الإنسان في سن الثالثة - ولأن الشك طبيعة الإنسان الباحث عن الحقيقة, وهو الطريق نحو الإيمان المعتمد علي اليقين - فإن الإنسان عادة ما يتطلع للمعرفة من خلال التساؤل, وعادة ما تبدأ تلك التساؤلات بسؤال "لماذا".
قد يكون شغف الأطفال بالمعرفة دافعا كافيا لطرح عشرات التساؤلات المتلاحقة بصيغة "لماذا", وهو ما يسبب عادة إزعاجا كبيرا للوالدين, خاصة في حالة وجود أشخاص آخرين.
كما أن هذه الأسئلة عادة ما تكون غير مبررة لارتباطها بقواعد اجتماعية مرسخة حتى دون تساؤل الوالدين عن سبب هذه القواعد الاجتماعية, فلا توجد إجابة واضحة أو معرفة كافية للإجابة عن مثل هذه التساؤلات.
وقد تكون هذه الأسئلة في أحيان كثيرة أكثر عمقا مما يتوقع الآباء من قدرة أبنائهم علي تفهم إجاباتها, فيرجئونها لوقت لاحق في أغلب الأحوال, أو أنهم يجيبون إجابة تدفع الطفل لطرح المزيد من التساؤلات.
وتمتد هذه الظاهرة لفترات طويلة نسبيا قد تتجاوز سن الخامسة عشر, ولكنها غالبا ما تنتهي بدخول الطفل إلي مراحل التعليم الأساسي نتيجة لتعامل المعلمين مع هذه التساؤلات بحسم قاطع, حفاظا علي سير المنهج التربوي في خطه الطبيعي دون انحراف, أو نتيجة لعدم إمكانية إشباع جميع الطلبة في وقت محدد, وقد تكون نتيجة لاعتقاد البالغين أو الزملاء أن كثرة التساؤل ناجمة عن عدم القدرة علي فهم مضمون الرسالة التعليمية وأهدافها, وهو بالتالي يعد مؤشر علي انخفاض القدرة العقلية للمتعلم, وغالبا ما يكون وسيلة التهرب من الإجابات هو الاتجاه للحفظ في حالة عدم القدرة علي الفهم.
غالبا ما تنتهي هذه المرحلة نهاية تصادمية - سواء علي المستوي الأسري أو المستوي المدرسي في حالة امتداد هذه الظاهرة لسن التعليم الابتدائي- ويكون الطفل فيها مجبرا علي التوقف عن طرح التساؤلات وإلا وصل لمرحلة العداء الاجتماعي, وهو أكثر سلاح يخيف الطفل الشاعر بالعجز والاحتياج للمجتمع لتلبية متطلباته.
ولكن حياتي لم تكن حتى قريبة من هذه الصورة, حيث كانت الأسرة مهتمة تماما بمنح الإجابات وتسعد باستمراري في طرح التساؤلات, وهي علامة علي خصوبة الخيال وأتساع الأفق, وقدرة علي تفهم الأسباب وغيرها من المزايا التي كانت الأسرة تعززها حتى في حال وجود أفراد أو في قلب مواقف حياتية ضاغطة, وبالتالي استمرت هذه الحاجة للمعرفة في النمو وباتت أسئلتي أكثر صعوبة, وكانوا دائما ما يسعون للإجابة السليمة دون تسخيف أو تقليل من قدرتي علي تفهم الإجابات.
وبالتالي لم يكن لدي أي تخوف من طرح التساؤلات علي معلمين المرحلة الابتدائية, وكنت صلبا في مواجهة التهديد بالعزل الاجتماعي والاستنكار, وكان لدي المنطق والقدرة علي الاحتجاج بهذا المنطق أمام المعلمين والزملاء علي حد سواء, لأنه حق من حقوقي والتزاما أدبيا علي المدرسة لا يمكن التهاون فيه.
بالطبع واجهت الكثير من الصعاب والاستنكار لما وصفوه بالانحراف عن المنهج التعليمي, أو انه أمرا سوف تتعمق فيه في مرحلة تالية من التعليم, ولكنهم جميعا أشادوا ووثقوا مستواي المعرفي والعلمي والثقافي منذ نعومة أظفاري في مجموعة كبيرة من الأنشطة الرياضية والثقافية والعلمية وشهادات عدة تقديرا للتميز العلمي والثقافي, ولكني لم أكن أشعر بالكمال والاكتفاء من التساؤلات, ولم أكن حتى مدركا سببا للفجوة المعرفية بيني وبين الزملاء الآخرين الذين لا يتساءلون ولم يكن لدي أي تفسير عن هذه الحالة إلا أنهم أكثر مني قدرة علي فهم الكلمات وما تخفيه تلك الكلمات من حقائق, والتي لا استطيع استيعابها إلا من خلال التساؤل, فهم بكل تأكيد لديهم قدرة كبيرة علي الفهم لم أكن أتحلي بها.
وذلك حتى حين ....
كان هناك يوما فاصلا توقفت عندي تلك المخاوف وبدأت أعمل بحثا في جميع مجالات الحياة دون تخوف أو تردد...
كان هذا اليوم يوما فارقا بين كوني طالبا للتعليم وباحثا علميا....
كان هذا اليوم هو يوم دراسة موضوع "التعليم" في مادة "علم النفس والاجتماع" في مرحلة مفصلية غاية في الخطورة لدي جميع المصريين....
الثانوية العامة...
بدأت المعلمة في شرح المدارس التعليمية, وكيفية وضع النظريات التعليمية المختلفة, وآليات قياسها وتحقيقها.
لاحظت وجود عاملا مشتركا بين جميع المدارس التعليمية, وهو اختبار تلك النظريات التعليمية علي الحيوانات...
فكان الحوار التالي:-
-          لماذا يتم تجريب النظريات التعليمية علي الحيوانات؟
-          لأنه لا يمكن إجراء التجارب علي البشر.
-          لماذا؟
-          لأنه خطير؟
-          قد أقبل هذه النظرية في الاختبارات الطبية, ولكن هل الاختبارات التعليمية أكثر خطورة من الاختبارات الرياضية أو العسكرية التي يكون الإنسان فيها فعليا معرض لخطر الموت يوميا؟
-          نعم.
-          لماذا؟
-          لأن التعليم هو الفارق بين أمة قوية وأخري ضعيفة, وبالتالي فالتعليم أكثر خطورة من الرياضة والجيوش, فالتدريبات الرياضة أو العسكرية قد تقتل فردا, ولكن الجهل يقتل امة.
-          هل لهذا السبب يتم تجريبه علي الحيوانات؟ أم هذا سبب إننا نتعلم أصلا؟
-          ماذا تعني؟
-          أعني أن تنفيذ ممارسات قادرة علي تعليم الحيوانات وضبط سلوكها علي البشر هي تجربة غاية في الخطورة في حد ذاتها, هل تأكد علماء الاجتماع إن تعليم الإنسان كالحيوان ليس له أثارا سلبية علي المجتمعات؟.
-          بكل تأكيد.
-          كيف تأكدوا من ذلك؟
-          يمكنك البحث والإطلاع, ولكني ليس لدي إجابة عن هذا السؤال....
-          هناك ما يسمي مدارس تجريبية, هل نحن هنا الآن في موقع تجارب؟ وسلوك أي حيوان تجربون؟
بدأت الهمهمة تزداد في الفصل, وبدأ الاستنكار يظهر علي المعلمة والمطالبة بإرجاء المناقشة ليوم آخر حتى يتسنى لنا استكمال الدرس, إلا أني لدي مناعة قوية ضد هذه الممارسات, فواجهت زملاء الفصل بسؤال مباشر.
-          هل أنتم فاهمون لهذا الدرس؟ لأني حقيقة لا أستطيع الفهم وفي حاجة ماسة لفهم هذه النقطة.
أجاب زملاء الفصل جميعا نعم نحن فاهمون ما يدور, ويمكنك الحفظ والإجابة علي الأسئلة إن أتت بالامتحان إن لم تستطع فهم الدرس.
فجاءه وأنا أنظر إليهم تذكرت عبارة شهيرة جدا في مدارسنا المصرية "أننا أطفال نعد بالرأس", فتوجهت للمعلمة وعلي وجهي علامات السعادة المطلقة...
-          بقر .... أنتم تعلمونا سلوك البقر.... أليس كذلك؟
ضحك الجميع.....
جاءت هذه الضحكات تأكيدا لشكوكي, فتوجهت مرة أخري للمعلمة قائلا....
-          هل تعلمين لماذا أنا سعيد؟
-          لماذا؟
-          لعدة أسباب...
أولا: استطعت بمجرد الشرح تحديد أي حيوان أري من ضمن المملكة الحيوانية كاملة, وهو بالتأكيد دليلا قطعيا لفهمي ليس فقط الدرس, ولكن كيف يمكن لي صناعة نموذج تعليمي.
ثانيا: عرفت كيف أنهم تأكدوا من إمكانية تطبيق النماذج التعليمية الحيوانية علي الإنسان وضمان نتائج هذا السلوك, وهو سؤال لم تستطيعي حضرتك إجابته, وهو مؤشر أخر علي ارتفاع المستوي المعرفي لي خارج نطاق التعليم, وصولا لمرحلة العلم.
ثالثا: في حال قبول البشر هذه الممارسات التي لا أراها إنسانية, لدرجة أنهم يقبلون التعلم كالحيوانات, يجب علينا التمييز بين التعلم كالحيوان, وهو أمر مرفوض لي كليا, وأن نتعلم من الحيوانات وهو أمر فطري واقبله كليا, ولهذا يجب علينا تجاهل تلك المدارس التعليمية المعتمدة علي نموذج الأحصنة والكلاب والقردة والأبقار, لنصل لممالك النمل والنحل وزمر الأسود والطيور وحتى الأشجار والجماد, وهو ما أراه أكثر رقيا عن النماذج الغربية المعملية.
وفي جميع الأحوال فإني أري إن البشر يجب أن يتعلموا كبشر, وان يتم وضع واختبار النظريات التعليمية علي البشر بشكل مباشر بما يتناسب مع القدرات العقلية للبشر,لأن العلم يستحق المخاطرة أكثر من التدريبات الرياضية والعسكرية, ولو شاءت هذه الدولة الرقي فقليل من البشر أكثر قوة من قطعان الأبقار, ولهذا فانا أرفض الاستمرار في هذا النموذج التعليمي, سوف اذهب للمكتبة أو للإذاعة المدرسية أو ملعب المدرسة أو غرفة النشاط الفني أو إجراء بعض التدريبات الكشفية أو تقليم حديقة المدرسة, فجميعها أفضل كثيرا من هنا, ويكفيني القراءة للتعلم....
هكذا يتعلم البشر....
------------------------------------------------------------------------------------------ يتبع --------------
إن شاء الله في الحلقة القادمة سوف أقوم بشرح نموذج التعليم (بشري – بشري)




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.