التغيرات في مفهوم العمل - 2

 إن عملية التعليم كوسيلة لإعداد الطالب المتلقي لبيئة العمل؛ هو مفهوم متقادم إلي حد كبير, وذلك لعدد من الاسباب...

أولا ان المعلم كقائم علي التعليم في حد ذاته يواجه تبعات الفجوة الثقافية الناتجة عن فارق العمر بينه وبين المتلقي, وهو أحد أهم مصاعب التعامل مع الطلاب, فكيف له ان يعدهم لمستقبل وهو البعيد عن واقعهم بثلاثين عاما كاملة....

ثانيا هو المستقبل ذاته البعيد كل البعد عن الواقع بسبب التغيرات المتلاحقة في بيئة العمل الحالية بسبب التغيرات التكنولوجية والتغيرات الاجتماعية والسياسية المتلاحقة.

ثالثا الطالب ذاته والذي ترسم له إشارات متضاربة عن المستقبل بسبب التباينات في التوجهات والآراء حول المستقبل وتصوراتنا عنه, فلا يستطيع الحكم بسهولة عن فرص وتهديدات المستقبل, ولا يستطيع تكوين صورة واقعية عن مستقبله الذاتي وتشكيل طموحه فيه....

رابعا وهو القيادات السياسية والقيادات التعليمية بما يشمل الاسرة التي لا تستطيع تكوين صورة مقبولة إجتماعيا عن المستقبل, ولا تستطيع التكهن الدقيق عن نتائج قرارات الواقع في تشكيل المستقبل, فالرؤية الشاملة مشوشة بشكل كبير....

وبالتالي فعوامل إنتاج وتشكيل المستقبل بكل أركانها في حالة نكران وتخبط لم يسبق للعقل البشري ان يكون فيها من قبل....

ومن هنا علينا التعريف بمسببات التغيير في مفهوم العمل والتي نحن بصدد مواجهة آثارها اليوم وغدا....

لماذا التغيير في مفهوم العمل....

العمل كوسيلة لتوفير لقمة العيش....

إنسانيا ومنذ نشأة الكون يعمل الانسان علي تطوير أدواته بالشكل الذي يحقق له الرفاهية وإتمام أعماله بشكل أسهل وأسرع وأكثر فعالية

وبالتالي فالادوات هي مكون أساسي من مكونات التفوق الانساني؛ وقد يتعدى كونه مكونا من مكونات التفوق ليكون معيارا لتقدم الانسان وسيادته....

وليس من المقبول إنسانيا في عصرنا الحالي ومستقبلنا كجنس بشري ان يبقي الانسان في حاجة للعمل لتوفير لقمة العيش...

فلقمة العيش حق أصيل للإنسان ولا إرتباط بينها وبين العمل ؛ الذي له في حد ذاته قيمة أكبر من ان تكون مجرد وسيلة لتوفير لقمة العيش للإنسان...

وما ينطبق علي لقمة العيش ينطبق علي الحاجات الاساسية للإنسان كالملبس والمأوى والعلاج....

فلا يحق لنا كجنس بشري ان نترك البشرية تعمل وتكد من اجل توفير لقمة العيش واحتياجاتها الانسانية بينما من المتاح لنا توفيرها للجميع دون بذل هذا العناء.

فالعمل لا يجب ان يقتصر دوره علي كونه وسيلة لتحقيق الدرجات الاولى في سلم احتياجات الانسان ومتطلباته الاساسية... 

ومن المناسب هنا ان نشير إلي أن كافة احتياجات الانسان الاساسية يعمل الانسان علي تحقيقها بوسائل الانتاج الحديثة بكثافة لتلبية تلك الاحتياجات دون الحاجة المباشرة للعمل, فالالات والتقنية والبحوث العلمية قادرة علي تلبية تلك الاحتياجات الاساسية للبشرية مع إدارة رشيدة للموارد....

العمل كوسيلة للتمايز الاجتماعي....

في الحقيقة علي البشر جميعا إدراك ان قيمة العمل النسبية هي مخالفة لمنطق "اننا مجتمع نعمل فيه جميعا بوسائلنا المختلفة علي تحقيق الرخاء للجميع" ؛ نعترف ونسلم  بأن لكل وظيفة او عمل مهارات ومتطلبات وقدرات ذاتية مختلفة, وحتي تفضيلات مختلفة لكل فئة من فئات المجتمع تتناسب بشكل ما مع وظائفهم؛ إلا أن أهمية العمل للمجتمع تختلف عن قيمة العمل كمردود مالي يعود علي الفرد محققا له تميزا اجتماعيا عن أقرانه او نظرائه في مواقع إنتاجية أخري.

وبالتالي فليس من المنطقي ان يبقي العمل في حد ذاته أداة للتمايز الاجتماعي, فجميع الوظائف ضرورية تقريبا بذات المقدار, ويكفي تخيل اختفاء احد الوظائف الاساسية عن مشهد الحياة لنرى أثر تلك المهنة في حياتنا اليومية.

ولكن من الضروري والصحي إحداث التمايز الاجتماعي باشكال أكثر منطقية من المهنة او الوظيفة في حد ذاتها, ولكن يجب ان يعتمد تمايز الانساني علي مهارة ذاتية حقيقية او موهبة شخصية فذة.

فالتمايز بالوظيفة مثله كمثل التمايز بالانتساب لعائلة؛ فلم يختار الانسان انتسابه لعائلة معينة حتي يحقق له هذا الانتساب التمييز بين الناس او ان يحقق له الخزلان بينهم, ولكن ما يحقق للإنسان التميز الحقيقي هو التميز الذاتي الشخصي.

وبالتالي لا يجب ان يتوقف دور العمل علي تلبية متطلبات الانسان للقبول الاجتماعي, فجيمعنا يجب عليهم بشكل طبيعي قبول الاخر وتفهم دوره في منظومة الحياة.

العمل كوسيلة لتحقيق الذات....

وإن كانت الاشكال السابقة هي الاشكال الاكثر إنتشارا غلا أنه فئة من الاعمال التي تحقق قمة هرم إحتياجات الانسان وهوتحقيق وتقدير الذات, وهي التي تسبب الرضا الكامل للإنسان عن ذاته وتلبي طموحه في الواقع والمستقبل....

تلك الاعمال غالبا ما تنطوي عن إستخدام لمهارات الانسان, ويستطيع الانسان من خلالها إحداث الاثر الايجابي له علي مستوى الحياة بشكل عام.

إن الرضا عن الذات وما ينطوي عليه من استخدام امثل لإمكانات الانسان, لا يتم إلا برفع الاحتياجات الاساسية عن كاهله؛ وهو السبب الاهم لإحداث تلك التغيرات الهامة في مفهوم العمل, فلقد بات من المؤكد لدى الجميع ان الامكانات المتفردة للإنسان تظهر بجلاء عند تحرره من قيود الاعباء ومسؤوليات تلبية متطلباته الاساسية.

وإذا كان التأثير الايجابي المباشر علي المجتمع والحياة هو هدف الانسان ومتطلبه الاساسي للشعور بالرضا عن ذاته؛ فبالتالي فمستقبلنا جميعا يجب ان يكتشف فيه الانسان موطئ تأثيره الايجابي والعمل علي تحقيق ذلك التأثير....

وهنا نجد ان وظائف المستقبل يجب ان تتمحور حول 3 محاور أساسية....

المحور الاول: تطوير قدرات الآلة المنتجة لضمان تلبية الاحتياجات الاساسية للإنسان وتحريره من العمل كوسيلة لتحقيق احتياجاته الاساسية.

المحور الثاني: تحرير ودعم الانسان وتمكينه من تحقيق تصوره عن الذات وتشجيعه علي الايجابية تجاه الحياة بمفهومها الحقيقي ومن منظور واقعي.

المحور الثالث: تسليح الانسان بالادوات الحديثة التي تمكنه من إستغلال طاقاته وإمكاناته المعززة بالادوات.

ومن خلال تلك المحاور يمكن ان يتم تحقيق التمايز بين الناس بمقدار الاثر الايجابي للإنسان علي الحياة بشكل عام, وعلي حياة الانسان بشكل خاص, ويتناسب في هذا التصور حجم الاثر وبالتالي مكانة الانسان مع حجم المتأثرين إيجابا بهذا الاثر.

وهنا قد نجد ان الافكار الخلاقة القادرة علي تحسين حياة البشر هي من أولي أولويات التمييز, وهي قد تكون بداية عهد جديد من عهود البشرية الذهبية, حيث تسود روح الرغبة في التأثير والايجابية في المشاركة والطموح لترك أثر علي حياة الناس....

أنه عهد ووعد بالمستقبل

#الموحد 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.