كوكب مجهول المصير – اليوم الثالث 1992

 

الاعلام

كانت أيام جميلة بحق....

تلك الأيام التي جمعتنا فيها الأغاني الجميلة والامنيات العظيمة...

تمكن الاعلام فيها من مخاطبة العقول ومغازلة المشاعر وتحفيز الطاقات....

لن أنسي ما حييت تلك اللمسة الرقيقة لنسمات الهواء العليل وانا متوجه نحو مدرستي صباحا وصوت الفنان الكبير محمد ثروت يشدو في الاثير "عايزينها تبقي خضرا"

الصوت الطفولي للكورال كنت اسمعه في فسحة اليوم الدراسي وانا واصدقائي ننشد تلك الاغنية الجميلة كأننا ضمن كورال تلك الاغنية، وما زال ذلك الصوت العذب يذكرني بصوت أصدقائي وملامحهم الباسمة العذبة....

كنت أهرع تاركا كتبي لأشاهد ذلك المقطع المصور للأغنية وشباب مصر يشمرون عن سواعدهم ليزرعوا الصحراء بالشجر، ويشقوا في نفوسنا الامل، ويغرزوا في ثغورنا البسمة.

كنت على دراية كاملة -او هكذا كنت اعتقد – بالأبعاد المتعددة لذلك المشروع العملاق لتشجير الصحراء والتي غرس أولى فسيلاتها سيادة الرئيس "محمد حسني مبارك" بنفسه.

فالأمن الغذائي وان كان واضحا لملايين المصريين على انه أحد اهم الابعاد الاستراتيجية لذلك المشروع.

ولكني كنت أرى تشعبا ضخما وتأثيرات لا محدودة لهذا المشروع، لما له من قدرة على وضع مصر كدولة محورية عالميا، وكان محور اهتمامي يتركز على البعد البيئي للمشروع، والدور العالمي الذي يمكن ان يحدثه هذا المشروع في سحب ثاني أكسيد الكربون في نطاق حوض البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة لكون نجاح المشروع خطوة استباقية نحو تحول مصر للوقود الأخضر، ولهذا كان ذلك المشروع بالنسبة لي أولى المشروعات العالمية الموجهة للتنمية المستدامة وهو دليل على الريادة المصرية عالميا لتلك المشروعات.

للأسف الشديد لم يكن نظام الإدارة في تلك الفترة يتبع نموذج الاستدامة، ولكن مصر في تلك الفترة كانت في مرحلة تحول من نموذج التنمية الشاملة إلى نموذج التنمية المتكاملة.

ولعل حالة التخبط الإداري الناتجة عن التغير في نموذج التخطيط، وعدم مطابقة نموذج التخطيط للمشروع مع نموذج الاستدامة من العوامل التي عطلت من نجاح المشروع وتأخر نواتجه إلى يومنا هذا....

مازلت إدارة المشروعات القومية الهادفة لتخضير الصحراء تواجه حالة تخبط شديد، نتيجة لتغيير نظم الإدارة لتلك المشروعات من نموذج التنمية المتكاملة وتبديلها بنموذج التنمية المستدامة، مع عدم وجود فهم كامل بأبعاد الاستدامة البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وهو ذات التخبط الذي واجهته المشروعات ذاتها في المرحلة الاولي، فمازال القائمون على إدارة تلك المشروعات يعلون من أهمية البعد الاقتصادي في مراحل المشروع المختلفة على مجموعة الابعاد البيئية والاجتماعية.

وهو ما يعني ضرورة تكثيف تدريب الكوادر الادارية العاملة في إدارة تلك المشروعات على الأرض، مع نظم الاستدامة وكيفية الموازنة بين الابعاد المختلفة لتحقيق تنمية مستدامة في المناطق المستهدفة.

اليوم لدى مصر فرصا أكبر في تحقيق نجاحات عظيمة في تلك النوعية من المشاريع بتطبيق نظم التنمية المستدامة ووضح الاستدامة كمكون رئيسي في خطتها للتنمية (مصر – 2030).

كما وان البيئة السياسية العالمية باتت اليوم في أمس الحاجة الي تحول الشرق الأوسط لمنطقة خضراء لتقليل الاثار البيئية الخطيرة للتغيرات المناخية على الكوكب, وكذلك لمواجهة الازمات الجيوسياسية في الأماكن المضطربة في العالم.

ان نجاح الاعلام في صناعة الاصطفاف نحو المشروعات البيئية القومية داخليا, قد يعد مؤشرا هاما علي قدرة الإعلام علي صناعة الاصطفاف العالمي نحو المشروعات البيئية العربية بشكل عام والمصرية بشكل خاص.

ولكن قد يتطلب ذلك خطابا إعلاميا قادرا على مخاطبة العقول وتحفيز الطاقات لجذب التعاون الدولي نحو حدود جديدة من التعاون العلمي والاقتصادي وتضافر الجهود لتحقيق الأهداف بصيغة عالمية.

 #الموحد

#JustAndAmbitious

#COP27

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.