المطبخ السياسي - أمريكا ... الإمبراطورية العسكرية الحديثة

خطوط الإمداد
تعتبر خطوط الإمداد من أهم المعلومات اللوجيستية التي تشغل حيزا كبيرا من اهتمامات القادة والرؤساء قبل اتخاذ قرار الحرب , وتعبر خطوط الإمداد عن الطرق وكيفية نقل الإمداد للجنود قبل وأثناء المعارك .
وتتوافر شروط عامة في خطوط الإمداد نذكر منها إنها يجب أن تكون متصلة بين الوحدات الثابتة من مخازن و مراكز تعبوية ومعسكرات , وبين الوحدات المتحركة مثل قوات الاشتباك والقوات العاملة خلف خطوط العدو والنقاط التي يسيطر عليها الجيش أثناء القتال .
كما يجب أن تكون تلك الخطوط مؤمنة تماما وتقع تحت سيطرة كاملة من الجيش , كما يجب أن تكون مختصرة حتى يتسنى إرسال الإمدادات في الوقت المحدد دون تعطيل أو إبطاء .
الجدير بالذكر هنا أن طول خط الإمداد يعرض العمليات العسكرية إلي عدد لا نهائي من الأخطار لصعوبة توفير حماية كافية علي طول خط الإمداد , هذا بالإضافة لإمكانية عزل القوات الأمامية وتصفيتها وتكبيد الجيش خسائر فادحة .
وبالتالي فإن فترة سيطرة جيش ما علي موقع معين أو حتى دولة معينة يحدده قدرة هذا الجيش في الحفاظ علي خطوط إمداده متصلة ومؤمنة .
في الواقع إن انهيار الإمبراطوريات القائمة علي التوسع العسكري ظاهرة تاريخية سببها الأول والأساسي هو عدم قدرة الإمبراطورية أي كان قوتها بتوفير خطوط إمداد مؤمنة مع أتساع رقعة السيطرة , هذا بالطبع إضافة للثقة الزائدة من قبل قوات الإمبراطوريات في قدرتهم علي احتواء المقاومة في الأماكن المحتلة والسيطرة عليها .
إن الولايات المتحدة الأمريكية الآن في موقف عسكري لا تحسد عليه علي الإطلاق , فقواتها المنتشرة حول الكرة الأرضية في خيلاء تستشعر فيها فرض السيطرة والاستقرار , هو المسمار الأخير في نعش هذه الإمبراطورية العسكرية قصيرة المدى .
ولم يتبقي لهذا النعش سوي الجثمان المنهار تحت وطأة الأعباء الاقتصادية و الكراهية المتنامية لها في البلدان المحتلة واستهداف مصالحها وقواتها من قبل عدد غير قليل من أعداء تلك الإمبراطورية , هذا بالإضافة لاختفاء الحافز لدي جنوده والشعور المستمر بالعزلة في مناطق صراع ليس للجندي فيها ناقة ولا جمل .
أعتقد أن الفترة القادمة للعسكريين الأمريكيين ستكون فترة انكماش تحاول فيه سحب قواتها بأقل خسائر ممكنة , واعتقد أن هذا الاتجاه يشمل السياسيين أيضا .
فالسياسة الداخلية الأمريكية تحتاج لكثير من الحرص في الفترة القادمة لأنها بالفعل تلفظ أنفاسها الأخيرة , وستموت للأبد إن لم تعدل من سياساتها الداخلية والخارجية للحفاظ ليس علي الصدارة الدولية بقدر ما تحاول الحفاظ علي الاستمرار في البقاء كدولة .
إن الولايات المتحدة الأمريكية تحوي ما يفرقها أكثر مما تحوي ما يجمعها كدولة , ولذلك فإني أعتقد بأن أي صدمة في الوقت الراهن ستؤدي إلي تضارب شديد قد يؤدي إلي التفكك وانهيارها كدولة .
قد يعتقد البعض إني أبالغ بتلك التقديرات , ولكني لا أعتقد بأي حال من الأحوال أن الدولة الأمريكية ستستمر في الوجود مع هذا الكم من الاختراقات الإنسانية التي أحدثتها في العالم منذ نشأتها .
في الحلقة القادمة إن شاء الله سنناقش مقومات الولايات المتحدة كدولة ومظاهر الانهيار .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.