المطبخ السياسي - حق النقض

حق النقض
يمتلك خمسة من عظماء العالم حقا لنقض قرارات مجلس الأمن الدولي , وهو حقا قد يكون بمثابة شهادة وفاة لقرارات مجلس الأمن وتصريح دفن لها في الوقت ذاته .

لماذا حقا للنقض وليس حقا للإقرار ؟
من المفهوم أن لكل إنسان الحق في الاعتراض علي قرارات أي إنسان آخر مادامت تتعارض مع مصالحه الشخصية , وبالتالي علي الشخص الآخر عدم إعمال قراراته ما دامت تتعارض مع مصالح البعض .
لكن ليس من المنطقي أن يفرض أي إنسان أو يلزم أي إنسان آخر بأفعال أو قرارات لصالحه الشخصي .
وهذا نفس الحال في العلاقات الدولية , فالدول العظمي الخمس تملك حقا للنقض ولكنها لا تملك حقا للإقرار والإلزام .
ولكن في الواقع استوقفتني أحد المشاهد عندما رأيت حقا للإقرار وللمرة الأولي في مجلس الأمن ...
فلقد امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت علي قرار يدين مجرمي الحرب الإسرائيليين في حربهم غزة-2009 , بينما استخدمت فرنسا حق النقض لمنع هذا القرار من الصدور بعد عددا كبيرا من الزيارات للمنطقة العربية .
في الواقع كان غالبية المحللين السياسيين يتوقعون استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض لصالح مجرمي الحرب الإسرائيليين , بينما كانت التوقعات تشير إلي إيجابية الموقف الفرنسي وخصوصا بعد هذا الكم من الزيارات للمنطقة العربية والعرض العربي للقضية الفلسطينية .
في البداية شعرت بأنه يوما حافلا وقررت أن أتابع ما ستسفر عنه الأحداث , فالموقف في المنطقة العربية غاية في الالتهاب من كافة الجوانب الشعبية والإعلامية و الرسمية , وهو ما قد يعيد تشكيل ليس فقط المنطقة العربية , بل والعالم أجمع , وهذا ما عبر عنه الوفد العربي بأن يوم الجمعة سيكون يوما يشهده العالم إن لم يتدخل العالم لوقف العدوان الإسرائيلي .
وبالفعل فلقد شهدت الساعات الأخيرة في اجتماع مجلس الأمن تطورات سريعة للغاية , فبمجرد صدور إعلان سكرتير المجلس باستخدام حق النقد من قبل فرنسا ورفع الجلسة , سادت موجة من الهرج قادها الوفد العربي برئاسة السيد عمرو موسي ووزير الخارجية المصري السيد أبو الغيط وامتنعوا من مغادرة المجلس قبل إعلان القرار الذي نقضته فرنسا , مما دفع سكرتير المجلس لإعلان إقامة جلسة مناقشة ثانية ولكن في اليوم التالي , وللمرة الثانية أمتنع الوفد العربي من مغادرة المجلس أو أي طرف آخر من مغادرة المجلس قبل إعلان القرار .
كان من الواضح لكل دول العالم أن لا تنازل من الجانب العربي عن القرار مهما حدث , وبالتالي اجتمع الدول الخمس الذين يملكون حق النقض لمناقشة الموقف العربي لمناقشة إصدار القرار بينما الموقف يزداد سوءا بالقاعة الرئيسية للمجلس , حيث انعقد عدد كبير من الاجتماعات تكاد تكون علنية , حيث كان كل فرد من أفراد الوفد العربي مجتمعا بعدد من ممثلي الدول ويشرح وجهة النظر العربية ومدي خطورة الموقف علي الأمن والسلم العالمي في مشهد لم أري له مثيلا داخل أروقة مجلس الأمن منذ نشأته .
وبالفعل سحبت فرنسا حق النقد وصدر قرارا بإدانة الهجوم العسكري علي غزة مصحوبا بقرار لوقف إطلاق النار.
أعتقد أن الدول الخمس لم تكن تناقش إصدار القرار من عدمه , ولكنها كانت تناقش ارتفاع الصوت العربي وتهديده للأمن والسلم العالميين في مشهد وحدوي للمرة الأولي .
كما أعتقد أن النصر العربي بإصدار القرار لم يكن رغبة منها في إنقاذ فلسطين لأننا بالفعل قادرين ليس فقط علي إنقاذ الشعب الفلسطيني ولكن علي إزاحة دولة المجرمين من علي خريطة العالم , ولكن النصر العربي كان مجرد تجربة أداء للوحدة العربية وتفهم الدول العربية لمواقفها التي لابد من اتخاذها في وقت الشدائد .
أعتقد إن الفترة الحالية والقادمة ستشهد مدا عربيا وإسلاميا كبيرا , وهذا ما يضمن بعض المكاسب الاقتصادية والدبلوماسية للعرب .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.