المطبخ السياسي - صناعة الديكتاتور / الجزء الثاني
عندما نتأمل فترات الاستقرار ما قبل الثورات, نجد انه استقرار مبني علي إما سيطرة سلطة قمعية علي كافة السلطات , أو اتفاق بين كل السلطات علي ظلم الشعب مقابل مصلحة فصيل منفرد بالحكم , ولهذا نسمي تلك الحقبة بحقبة " الاستقرار القمعي ". وبالتالي فالسلطات ما بعد الثورة إما أن تكون سلطات ضعيفة وغير قادرة علي النهوض بالبلاد, أو إنها محابية للنظام السابق وتنتمي إليه, ولهذا تلجأ الشعوب الثائرة للإطاحة بكافة أرجاء الدولة الفاسدة, والإطاحة بكافة أشكال السلطة بها, وإحلالها بآخري جديدة . في الحقيقة إن التغيير الشامل لأركان السلطة وعملية الإحلال والاستبدال تستنهك قدرا كبيرا من الطاقة المادية والأمنية للوطن, مدخلة البلاد في فترة عصيبة من عدم الاستقرار والنزاع علي السلطة . ولهذا قد يعتقد بعض العامة إن الظلم أفضل لأنه يوفر الاستقرار, وفي الوقت ذاته عندما تسعي السلطة الشعبية الوافدة إلي سدة الحكم إلي إعمال الإرادة الشعبية في تطهير مؤسسات الدولة وأشكال السلطة فيها, يكون هذا بالنسبة للبعض مؤشرا قويا علي رغبة السلطة الجديدة في إعادة ترسيخ الظلم وفرض سيطرتها علي مقدرات الدولة ومفاصلها الحيو...