الرأي والانتماء -الجزء الخامس - التعبير عن الرأي



بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرا ما نصدم باستقبال المجتمع للرأي, وخاصة تلك النوعية من الآراء التي تمس الثوابت لدي متلقي الرسالة.
وهذه ظاهرة نفسية نابعة عن مجموعة من الاختلافات بين صاحب الرأي والمتلقي, نذكر منها التالي :-
1-      اختلاف أهمية الموضوع محل النقاش بين المرسل والمستقبل.
2-      اختلاف الثوابت الحاكمة لموضوع النقاش.
3-      قدرة المستقبل علي تقبل الفكر وثقته في شخص المرسل.
4-      مقاومة التغيير لدي المستقبل وحب السيطرة علي مسار الحوار.
5-      مدي المنفعة أو الضرر الواقع علي المستقبل جراء موضوع النقاش.
6-      قدرة المستقبل علي فهم ما هو ابعد من موضوع الرسالة ليصل مستوي الفهم بين المرسل والمستقبل لدرجة الفهم التام.
هذه التحديات تواجه كل قادة الرأي بلا استثناء, ولكنها بعوامل معززة للطرح تجعل مجموعة من الأشخاص بعينهم لديهم قدرة أكبر علي التأثير في البشرية أو علي الأقل في نطاق تأثير واسع.
ولكن المشكلة الحقيقية إن قادة الرأي الذين يصل رأيهم إلي جموع البشر ليسوا دائما يصيبهم التوفيق, أو علي اقل تقدير ليسوا أصحاب الرأي الأرجح, وقد يكون هناك وسط العامة من يملكون آراء أكثر جدية وأعظم منفعة من تلك التي يقدمها قادة الرأي المؤثرين في المجتمع.
وهذا المنطق ما دفع كل الأنظمة الحاكمة لتحرير الرأي وأصحابه من كافة القيود التي تمنع وصول الرأي إلي صناع القرار, ولكن دائما وأبدا تظل الوسائل والطرق المستخدمة للتعبير عن الرأي فاصلة بين شخص وآخر.
فكل صاحب رأي تعرفه لم تلتقيه, ولكنه يملك من الوسائل الداعمة له ما يمكنه ليدخل كل بيوت الوطن, ويتعرف كل أبناء الوطن علي رأيه, ليس هذا فحسب, بل يرجح رأيه عددا كبيرا من قادة الرأي بشكل أو بآخر, وهذا ما يمنحه تعزيزا إضافيا يجعل رأيه من القوة بشكل ضاغط علي السلطة لاعتماده كرأي سديد.
إن العدالة تتطلب إتاحة فرص متساوية لأصحاب الرأي, كما إن الموضوعية تتطلب من المواطن وقادة الرأي والسلطة الحاكمة التنقيب عن الأفكار والآراء بين صفوف الوطن وتمنح هذه العملية من الأهمية تعادل اهتمامها بالعلم والعلماء.
لإننا عندما نتحدث عن صناعة واكتشاف قادة الرأي الشعبيين, فإننا نتحدث عن الاستغلال الأمثل للموارد البشرية والطاقات الفكرية لأبناء الوطن, ولن يكون هناك مستقبلا لأمة لا تعرف للخير في أبناءها سبيلا, ولن يكون هناك زخما فكريا دافعا للتقدم والرقي إلا بالقيادة الفكرية النابعة من صفوف المواطنين, والذين تكون مشكلات الوطن ويوميات المواطن هي المكون الرئيسي لهم كمفكرين للأمة وقادة لرأيها.
وفي جميع الأحوال حتى يتسن لنا نحن المواطنين والقيادة السياسية اكتشاف أصحاب الآراء الراجحة والذين يتسمون بالحكمة لقيادة الوطن, لأننا وبكل تأكيد ننشد حكماء هذه الأمة كقادة الرأي ولا نتمنى إن يكون المنتج الفكري اقل من ذلك,علينا أولا إن نتعرف مفهوم الحكمة...
تعلمون ايها السادة إن الله تعالى قد ارشدنا في كتابه الكريم إلي الأسلوب الأمثل لعرض الرأي الداعي للخير وصدق حين قال في سورة النحل في الآية 125..
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
وبالتالي فالحكمة أولي شروط الدعوة  إلي الحق...
كما أن الله جل وعلى قد وصف الدين بالحكمة في أكثر من موضع, عندما وصف سيدنا لقمان وداود وغيرهم من النبيين الطاهرين...
ولهذا فيجب علينا إن نعرف المقصود بالحكمة قبل الشروع في انتخاب الرأي وقادته...
وشخصي الفقير إلي الله ينظر إلي الحكمة مقابل العلم سبيلا لمعرفة أدق للحكمة, فهل يمكن تعريف الحكمة علي أنه العلم؟, ويكون بذلك التعريف الشخص الحكيم هو الشخص العالم؟
في الحقيقة أيها السادة لقد وجدنا العلم في تغيير مستمر, ووجدنا العلم ينافي العلم, ووجدنا العلم يكمل العلم ويتممه...
وما الحكمة إلا اتساقا في الدلالة لا تختلف قيمة الكلمات فيها من زمان لزمان, ومن مكان لمكان, ومن إنسان لإنسان...
فكل متغير لا يصلح إن يكون مؤشرا حكيما للحق, ولكنه قد يكون في مرتبة البرهان والاستشهاد....
ولكننا عندما ندعي الحكمة لا يمكن إن نتحدث بما هو متغير, ولا نتبدل تبعا للهوي, ولا نتبني إلا ما هو دائم الصدق...
فالحكمة هنا هي الحق المطلق,,, والحقيقة المجردة عن الهوي...
ومن هنا لا يمكن إن تجد حكمة تنافي حكمة, ولن تجد حكمة تنقصها حكمة لتكملها, ولن تجد الحكمة تتغير بين زمان وزمان أو من إنسان لإنسان...
واليوم إذ ننظر إلي فرق متناحرة تقدم كلمات ومواقف تنافي بعضها بعضا, ما هو إلا لغياب الحكمة عن تلك الرموز بغض النظر عن تأييدي لها وحبي لها...
فيكفي الإنسان أن يحبه الله حتي يرمي بمحبته في قلوب عباده...
ولكن الحكمة هو مستوي آخر نبحث عنه حتي يتوقف هذا النزيف الحضاري الذي أصاب الوطن بغياب الحكمة عن رموزه...
أيها السادة الكرام والقراء الأفاضل...
إن تلك الرموز التي ترونها قد تكون تعلم ما لا نعلم...
وقد تكون علي مرتبة العلماء...
ولكنهم أيها الأفاضل بكل المقاييس...
ليسوا حكماء...
والوطن في هذا اليوم يبحث عن الحكمة للوصول لطريق الرشاد...
ولنبحث عنها سويا نحن المواطنين شركاء الوطن, يجب علينا جميعا أن نضع قادة الرأي الذين ننتمي إليهم في اختبار الاتساق...
ويجب أن يكون لدينا القدرة علي تمييز الحكمة, وهذا موضوع النقاش القادم بإذن الله.
والله الموفق

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.