المطبخ السياسي - صناعة الديكتاتور / الجزء الثاني


عندما نتأمل فترات الاستقرار ما قبل الثورات, نجد انه استقرار مبني علي إما سيطرة سلطة قمعية علي كافة السلطات, أو اتفاق بين كل السلطات علي ظلم الشعب مقابل مصلحة فصيل منفرد بالحكم, ولهذا نسمي تلك الحقبة بحقبة "الاستقرار القمعي".
وبالتالي فالسلطات ما بعد الثورة إما أن تكون سلطات ضعيفة وغير قادرة علي النهوض بالبلاد, أو إنها محابية للنظام السابق وتنتمي إليه, ولهذا تلجأ الشعوب الثائرة للإطاحة بكافة أرجاء الدولة الفاسدة, والإطاحة بكافة أشكال السلطة بها, وإحلالها بآخري جديدة.
في الحقيقة إن التغيير الشامل لأركان السلطة وعملية الإحلال والاستبدال تستنهك قدرا كبيرا من الطاقة المادية والأمنية للوطن, مدخلة البلاد في فترة عصيبة من عدم الاستقرار والنزاع علي السلطة.
ولهذا قد يعتقد بعض العامة إن الظلم أفضل لأنه يوفر الاستقرار, وفي الوقت ذاته عندما تسعي السلطة الشعبية الوافدة إلي سدة الحكم إلي إعمال الإرادة الشعبية في تطهير مؤسسات الدولة وأشكال السلطة فيها, يكون هذا بالنسبة للبعض مؤشرا قويا علي رغبة السلطة الجديدة في إعادة ترسيخ الظلم وفرض سيطرتها علي مقدرات الدولة ومفاصلها الحيوية.
بالطبع جميعا نتفق علي أن فرض فصيل واحد - حتي ولو كان ذو شعبية كبيرة علي الأرض سيطرته علي كافة السلطات- أمرا غير مستحبا حتي ولو كان عادلا, لأن هذا الوضع في أفضل الاحتمالات سيفرز رؤية واحدة لمستقبل الوطن ولن يتحمل تباين الروئ واختلافها, هذا بالإضافة لاحتمال إعادة نظام " الاستقرار القمعي" والذي أشرنا إليه من قبل.
وبالتالي...
 فيجب أن تكون مهمة تطهير أركان السلطة مهمة شعبية بصفة السيادة الأصيلة له. - راجع  طور التحول/الشرطة والسلطة في خدمة الشعب-
كما أن عملية تقنين أداء السلطات وتحديد أدورها وعلاقتها بباقي السلطات وحتي تحديد الرموز الممثلة للسلطة, يجب ان يعاد صياغته من قبل الشعب بشكل منفصل عن السلطة الشعبية الوافدة.
وللأسف الشديد ...
في فترات الصراعات السياسية علي السلطة , تكون المهمة الشعبية لتطهير مؤسسات الدولة مهمة غير واضحة المعالم والأهداف, وتتضارب فيها المصالح, ويكون التشويه والتخوين والتشكيك هو سمة العصر, ولهذا يركن الشعب علي وجود سلطة يعتمد عليها كليا في اتخاذ اللازم بشأن السلطة القديمة ومستقبل رموزها, وتكون هذه السلطة مسئولة أمام الشعب عن قراراتها إزاء تواجد هذه الرموز وطبيعة مستقبلها في ظل النظام الجديد, وتصارع السلطة الشعبية بقية السلطات بمناورات سياسية لا تنتهي في الأجل القريب وبدون دعم شعبي , بالتجنيب أحيانا والتأجيل أحيانا والتجاهل أحيانا وبالمواجهة أحيانا أخري.
وفي أثناء هذه المناورات والمناوشات تتزايد السلطة الشعبية شعبية أو تنخفض شعبيتها بين موقف وآخر, وهذا ما يدفع المواطن للعزوف أكثر وأكثر عن ممارسة العمل السياسي, أو تقديم الدعم الشعبي لسلطته المنتخبة.
وبالتالي ...
فيجب علي السلطة الشعبية المنتخبة تكوين رموز شعبية غير حزبية في كل مكان, قادرة علي توجيه الرأي العام إلي الضغط علي السلطات الباقية من النظام القديم للاختيار بين الاستسلام للإرادة الشعبية أو الخروج من المشهد السياسي, لأنه وفي الأصل لا سلطة تعلو فوق سلطة الشعب المصري كصاحب السلطة ومصدرها.
وبهذا تكون السلطة الشعبية بمنء عن تذبذب شعبيتها, كما أنها تكون قد توغلت أكثر داخل نفوس المواطنين بالتعاون المستمر بينها وبين الكوادر الشعبية في توعية الشعب وإرساء مبدأ تكافؤ الفرص.
أما الإنفراد بالصراع فسيكون مفترق طرق بين طريقين, احدهما يؤدي إلي تقلص الشعبية للسلطة المنتخبة وإطالة فترات عدم الاستقرار, والآخر يؤدي لصناعة الديكتاتور.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.