الرأي والانتماء – الجزء السادس – تمييز الحكمة
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يتبني المواطنين مبدأ ضرورة تغليب الحكمة عند اتخاذ مواقف معينة, ستكون الحقيقة الراسخة لدي الجميع هي الاستماع, وحتى قادة الرأي سيتوقفون عن إبداء آرائهم لأسباب عدة.
منها عدم التعبير عن الرأي مخافة الوقوع في ذلة الخطأ والنسيان وهي ما يستتبع بانخفاض أو انهيار شعبية قائد الرأي, وقد يكون منها محاولة بلوغ الحكمة من خلال فهم الحقيقة بشكل أكثر عمقا وهو ما يساعده في تبني آراء أكثر ثباتا وقدرة علي التطبيق.
أما علي المستويات الشعبية فسيتحرك المواطن بطبعه بين مستويات عدة نذكر منها:-
1- تصيد الأخطاء ووصف المواقف بأنها خالية من الحكمة.
2- محاول التفلسف وإظهار الحكمة للتباري بين أقرانه والتمييز بين مجتمعه, ولكنها في هذه المرحلة لن تبلغ حد الفلسفة لأنها ستكون خالية من التطبيقات القادرة علي تحقيق الرفاهة للمجتمع.
3- البحث عن الحكمة وربط المواقف والاتجاهات, وهو ما سيمنح المواطن قدرة علي تفهم الدوافع والميول والأهواء.
4- الاتجاه للثوابت والبعد عن المتغيرات.
5- وصف نتائجه بالحكمة, ونشير هنا انه ليس من المفترض الوصول للحكمة لدي كافة المواطنين, ولكن المواطن سيلجأ لوصف نفسه بالحكمة عندما يكون لديه تصور عن دوافع وميول التيارات السياسية والفكرية المتضاربة.
6- الوصول لحلول جيدة وملائمة لمشكلات الوطن, والتفاعل الإيجابي مع تلك المشكلات بمبادرات فردية وجماعية لتبني تنفيذ تلك الحلول والتي تمتاز بأنها قابلة للتطبيق.
إن الهدوء الاجتماعي علي مستويات الشعب وقادة الرأي, والتريث في إصدار القرارات, والتحجيم الاجتماعي للآراء تبعا لجودتها وحكمتها, هي من أهم الأهداف التي يجب إن تسعي السلطة في توفيرها.
ويتبقي لنا هنا سؤال غاية في الأهمية...
كيف يمكن تمييز الحكمة؟
في الحقيقة إن كلمة "تمييز" تحمل معنيين مختلفين, ويأتي الاختلاف فيهما اختلافا وظيفيا, فعندما نتحدث عن الدور الوظيفي للشعب في تمييز الحكمة, نعني بعملية التمييز هنا هو النقض الشعبي لمجموعة الآراء المطروحة من قبل الإعلاميين وقادة الرأي, وتصنيفه لآراء تتسم بالحكمة وأراء لا تتسم بالحكمة, بالإضافة لتبني الحكيم منها ونبذ كل ما هو خارج هذا الإطار, ويكون الشعب هنا محكم وقادر علي تطبيق العزل الاجتماعي للرموز التي تدخل البلاد في دوامة غياب الحكمة.
كما أننا عندما نتحدث عن الدور الحكومي في "تمييز" الحكمة, نعني بها جعل الآراء التي تتسم بالحكمة داخل المجتمع في مكانة عالية, وآراءها ظاهرة علي السطح, وتقدم الدعم المادي والمعنوي لخلق قادة رأي جدد يحملون صبغة الحكمة في مواقفهم وآرائهم وعلومهم, وهذا الدور قادر علي صناعة كوادر جديدة وضرب الأمثال للناس, وهو ما يشجع علي إتمام دورة التنمية.
تعليقات