قصة الدين

قصة الدين
كم اخشي المستقبل الحر لأوربا....
انتم ارق خلق الله وأكثرهم إنسانية، تسعون للحرية حتى الموت، تحبون المساواة وتفضلون القيم النبيلة...
ولكن هل أنتم بالفعل أحرار؟!
إن كنتم كذلك.... افليس حرية الاعتقاد أسمى درجات الحرية؟!
هل أنت حر لاعتناق الدين الذي تراه صحيحا....
هل أنت حر لتصبح مسلما أو يهوديا....
في مفاهيمكم المتناقضة، حرية الاعتقاد تمنح فقط للملحد الغير مؤمن بالخالق، حريته في الاعتقاد والتهجم علي معتقدات الاخرين شكلا من اشكال التعبير الحر، بينما المؤمنين باي دين هم اصوليين متشددين لا يمكنهم التهجم علي معتقدات الملحدين....
اخشي ما أخشاه في الحرية ان تكون نسبية....
اخشي ما اخشاه في الحرية هي حرية الفرد عندما لا تقف عند حرية المجتمع....
هل انتم متساوون فيما بينكم؟!
هل انتم متساوون مع الآخرين؟!
هل الآخرين متساويين لديكم؟!
ماذا تعني المساواة طالما هناك معيارا ماديا لقيمة الانسان، وما نمط الحياة في عالمكم إلا محاولة الترقي من طبقة إجتماعية لأخري....
ما هي المسافة الفاصلة بين واقعك الحياتي والنمط الحياتي الذي يرسمه لك المجتمع كحلم؟!
هل هناك فجوة كبيرة بينك كعامل وبين لاعب الكرة الشهير؟!
هل تسكن في حيك إحدي الشخصيات العامة؟!
هل تتوقع لابنك ان يتزوج بوزيرة؟!
هل تتوقع لابنتك التزوج من رجل أعمال؟!
ام انكم لا تتزوجون علي الاطلاق وشهوتكم هي المحدد للعلاقات الانسانية؟!
لن أسألك كم عالما تعرف، ولن أسألك كم من اصدقائك نجح في تأسيس أعماله الاقتصادية الناجحة وانضم للصفوة.....
ولكني اسألك هل المستقبل يعنيك كثيرا ؟!
إن كان كذلك فتعال معي لرحلة الي الماضي لنعلم سويا كيف وصلنا لهذه النقطة....
انا وانت..... 
سنذهب في رحلة لمعرفة قصة الدين.....
كل الدين
….
لفترة طويلة كان الجنس البشري ينتقل عبر الارض مكونا ما يسمي الاجناس البشرية....
هذه الاجناس البشرية هي مجموعات مرتحلة من البشر تكون مجتمعات علي كوكب الارض الذي يقتنوه وما زالو يكتشفوه....
يحمل هؤلاء الرحالة بعض المعلومات عن نسبهم الاصيل ويورثوها لابنائهم كنوع من انواع التراث الشعبي وعادة تكون في صورة قصص تجيب للاجيال اللاحقة عن مجموعة من الاسئلة الوجودية مثل من نحن وماذا نفعل هنا ومن اين اتينا....
هذا التراث الانساني الضارب في التاريخ يقول اننا جميعا من ابناء رجل يسمي آدم  وإمرآة تسمي حواء....
لا يوجد اي خلاف بين الاجناس البشرية حول هذه الحقيقة، فانا وانت اخوة لنفس الاسرة البشرية التي قوامها آدم وحواء... أليس كذلك؟!
اختلف البشر حول سؤال هام جدا يخص الفترة ما قبل تكوين هذه الاسرة الانسانية....
كيف وصلت هذه الاسرة إلي الارض....
هل نحن كائنات فضائية؟!
جميع من يؤمنون بخالق للكون يعتقدون ان الانسان مخلوق بشكل مباشر من قبل هذا الخالق، وانه استعمر الارض بأمر من "الله" الخالق....
ولكن هناك من لا يؤمنون بخالق للكون يعتقدون اننا شكلا متطورا ذاتيا من اشكال الحياة، ولتكن علي سبيل المثال القردة العليا....
بغض النظر عن الاراء الفردية فهذه المقال يحكي قصة الدين، فكما علمنا اننا جميعا ابناء اسرة بشرية واحدة، علمنا ايضا اننا مخلوقون من قبل الاله الخالق ذاته، هكذا اخبرنا من نحن، ولا يتساوي الموروث والمعلوم يقينا بظنون غير مؤكدة لا سيما انه لا يوجد اي كائن تطور ليكون كائنا آخر إلي اليوم وعبر ملايين السنين، والا لوجدنا كائنا آخر منافس للإنسان علي وجه الارض....
كما انه بصدق الرواية باننا اسرة بشرية واحدة وتاكيدها علميا يكون الموروث لهذه الرواية صادقا لانها رواية البشرية في رحلتها لاستعمار الارض.
يؤمن اصحاب الديانات السماوية ان آدم هو نبي من الله، يحمل رسالة محددة للانسان....
اهم ما جاء في هذه الرسالة الاتي:-
1- ان الانسان لا يجب ان ينسي انتماءه كمخلوق من مخلوقات الله وانهم اسرة واحدة، ولهذا حمل الجميع هذه المهمة في توريث هذا النسب.
2- ان الانسان خلقه الله تعالي لتعمير الارض وليس لفسادها، ولهذا انتشر الانسان عبر الارض بانيا للحضارات وهادما بشكل مستمر للاساطير.
3- انه لا يجب ان يقتل الانسان الانسان او يظلمه، ولهذا وضع الانسان التشريع الحاكم والضامن للسلامة الاجتماعية والمنظم للعلاقات بين الافراد.
هذه المبادئ الثلاث البسيطة والمؤثرة في كامل حياة الانسان كجنس تجيب عن سؤالا فلسفيا عميقا
لماذا نحن هنا؟!
لا يوجد إلا هذه الرواية التاريخية تجيب عن هذا السؤال، إلا لو اعتبرنا ان "لا هدف" هو إجابة في حد ذاتها، وبغض النظر عن وجهات النظر، فلقد تكونت هذه الرؤية لدي جميع الحضارات وتوارثها الجنس البشري توارث نسبه لآدم، كما ان الانسان مبرمج نفسيا علي حب التعمير ورفض الهدم والظلم، ولا يوجد مجتمع واحد او جنس بشري واحد يحبذ الظلم ويثني علي القتل....
ويحكي تراث الانسان قصة عن ولدي لآدم قتل أحدهم الآخر ظلما، وتعلم من الغراب الدفن، وعلمها للبشر من بعده، ويؤكد اتباعنا لهذه القصة لدفن وتكريم الموتي صدق هذه الرواية، فلا رواية أخري تشرح لماذا نكرم الجسد الميت، ولا لماذا ندفنه.
ان اعتقدنا في المسلمات البشرية السابقة، تعالوا نناقش القيادة الانسانية ونماذجها لحسم نقطة النبوة والرسالة....
لطالما كان البشر في حاجة للتنظيم الاجتماعي، فالانسان ليس الاقوي بين المخلوقات، ولكنه بفضل قدرته علي التنظيم الذاتي يستطيع تمهيد الطريق للحضارة وتذليل الصعاب امام مجتمعه الوليد....
فكانت الحماية وتأمين سبل الحياة هي المتطلب الاول للقيادة من وجهة نظر البقاء، ولهذا نفسر توغل الذكورية في القيادةعبر التاريخ الانساني، لان دور الحماية طالما تطلب تكاتف الذكور لتأسيس نطاق آمن للحياة.
ولكن هناك جزءا من الرسالة الاساسية للانسان تدفع المجتمع لترسيخ العدل والمساواة فيما بينهم واقامة التشريع، ولهذا كان هناك نوعا من القيادة داخل المجتمع التي تعمل كحكم وفصل بين افراد المجتمع وتضع التشريعات وتعمل علي تنفيذها، لا يتطلب في هكذا قيادة القوة كنمط للحكم، ولكنها تتطلب ما يسميها البشر بالحكمة، والتي عادة تكون لاصحاب السيرة الحسنة وخاصة كبار السن لخبراتهم الحياتية الواسعة، فمنهم من كان من طبقة المهاجرين الرحل أصلا ويعرف تماما رسالته وهدفه....
بشكل ما فرق المجتمع الانساني بين الانماط المتباينة من القيادة والادارة الاجتماعية، حتي انه صنفها كعلم مستقل هو علم الادارة والسلوك التنظيمي، ولكن البشر مع مراعاة قدرتهم علي التمييز والتصنيف بين العلوم والشخصيات، صنف طبقة من البشر علي انهم قيادة دينية، بمعني انها قيادة من هؤلاء الواعين للرسالة الاساسية للانسان والعاملين علي تطبيقها.
ومن ضمن هؤلاء القادة الدينيين،اعتقد البشر ان هناك من اراد الله لهم ان يكونوا من حملة الرسالة والمجددين لها، وهم الانبياء....
فاستطاع الانسان التمييز بين الرجال الصالحين وبين الانبياء، بدليل ان ظاهرة النبوة لم تتكرر إلا في مجموعة محدودة جدا من البشر مقارنة بحجم البشرية ذاتها، واسمائهم معروفة معرفتنا لأصلنا الانساني ذاته، حتي انهم معروفون نسبا كاملا ومتصلا، ولهم اثارا لا تزال موجودة إلي اليوم، واثار الانبياء موجودة كما وجدت اثارا لحضارات اراد لها الله الفناء، وقصص هؤلاء الاقوام وقصص الانبياء محفورة في التاريخ الانساني كما حفر لدينا الدفن من قصة القتل الشهيرة لولد آدم....
فجميعنا عرفنا نوحا ووجدنا اثارا للطوفان ووجدنا اثارا لسفينته....
جميعنا عرفنا عادا ونري منازلهم إلي اليوم،،،، حتي اننا نعرف من هم هؤلاء القوم نسبا متصلا كمعرفتنا لاصولنا البشرية تاريخيا....
فلا جدال حول وجودهم ولا حول نهايتهم، انه تاريخا يروي وحاضرا نعيشه كالفراعنة والاهرام.....
ولا يمكن وجود لبس في ذلك لانه لن يحدث يوما ان يروي البشر كارثة ككارثة هيروشيما النووية علي انه كان غضبا إلاهيا علي قوم من اليابانيين، بل سيذكر انه حسما لصراعا سياسيا يهدف لبسط النفوذ، كما لن يذكر التاريخ ان الهنود الحمر اندثروا من القارة الامريكية من خلال مرضا ابادهم بل سيذكر ان المستعمر كان يقتلهم في حروبا عرقية مكثفة، فالبشر يسجلون التاريخ ويدونونه منذ آلاف السنين وهم يجيدون ذلك، وهو دقيق لدرجة اعتمادنا عليه كسندا علميا، فأثرا صغيرا - كاداة مدفونة في الارض - يجعل لدينا من التأكيد العلمي ما يوازي تجربة علمية منضبطة، فما بال الصروح الغير مدفونة والشامخة فوق الارض....
ما هو الدين؟ وما الفارق بين الدين والحكم؟
هل كل من ينسب رأيا للدين او لله او لانبيائه هو صادق؟!
يحكي في التراث الانساني المتوارث ان آدم لفترة سكن هو و زوجه الجنة، ونزل إلي الارض عند معصية الخالق، ويحكي انه لم يكن يتوقع ان يكذب أحدهم علي الله، وهو الاسلوب الذي اتبعه الشيطان لحضه علي الاكل من الشجرة المحرمة....
للاسف لم يفهم كثيرا من البشر الفارق بين الدين والحكم، فمنهم من ادعي كذبا رأيا خاصا ونسبه للدين، ومنهم من ارتدي الزي الديني ليحقق مكاسب خاصة، وكل هذا في إطار المنافسة التي نشأت علي الحكم والادارة بين الحكماء والقادة والزعماء ورجال الدين....
فتاكد دور الدين في التأثير علي عقول البشر جعل بعض البشر يلبسون لباس الدين ويتبنون خطابه للتأثير علي البشر وتحقيق المكانة والزعامة لأنفسهم، وهم في ذلك يقلدون الشيطان الذي يغوي آدم ليأكل من الشجرة المحرمة كاذبا علي الله والدين....
هذا هو اهم اساليب التنافس علي القيادة الجماهيرية تاريخيا، ولكن للاسف لا يقف التنافس عند ذلك....
فطالما ما كان الدين ذاته يحارب بابشع الطرق في حالة فشل الزعماء والقادة علي الحد من تاثير الدين علي المجتمع....
فمن قتل للرموز الدينية وحتي الانبياء منهم، وتشويه صورتهم، وتكذيبهم....
وصولا للإبادة العرقية للمؤمنين وتدمير الارض وإشاعة الفساد فقط لبسط النفوذ والحد من تأثير هذا الدين علي الانسان....
يقال ان الشيطان ذاته من يقود هذا الفريق، لانهم يستخدمون نفس منهجيته، ولا يقفون عند ما حرم الدين، ولا يعملون ما امر به الدين....
وتشابه هذه السلوكيات عبر التاريخ الانساني يؤكد وحدة مصدر تلك السلوكيات....
لانها ان كانت متعددة المصادر لتنوعت الاستجابات....
ولكن هذا الفريق طالما يقوم بالافعال ذاتها في مواجهة الدين علي إطلاقه....
فاليهودية علي سبيل المثال سعي جانب للسيطرة علي البشر باقصاء موسي عليه السلام من المشهد، ولبس في ذلك رداء الدين....
وفي المسيحية سعي الحاكم الروماني لقتل نبي الله عيسي بن مريم وصلبه واتخاذ هذه الرمزية كرمزبة للدين المسيحي ذاته، ثم تبنت الامبراطورية الرومانية الدين المسيحي دينا رسميا وبنت كنيسة مستقلة تختلف مبادئها عن مبادئ الكنيسة الشرقية الاصلية، ولم تكتف بهذا بل نكلت بالمؤمنين اشد التنكيل....
لن اتحدث عن الاسلام الذي يواجه سنويا المؤمنين به التنكيل في كل ارجاء الارض، ولكني ساتحدث عن العقاب الذي صبه الاوربيون الذين يحملون الصليب رمزا لهم علي المؤمنين في اسبانيا الآمنين في حكم الدولة الاسلامية باقامة محاكم التفتيش....
حرق الكتب وتدمير دور العبادة.....
الصلب والحرق والاتهامات بالشعوذة والقتل المسرف في حق كل من قبل العيش بسلام في ظل حكم الدين....
ماذا تعني تلك الاجراءات؟!
هل خصت تلك الاجراءات المسلمين؟!
انها طالت كل اهالي اسبانيا فقط لقبولهم العيش في ظل العدل الديني....
انها مجرد حلقة من حلقات الصراع الكوني الذي لم ينتهي إلي اليوم....
الصراع علي الحكم ....
علما أن الدين الحق لا يدعو الانسان للموت في سبيل معتنقه...
فان تعرض الانسان للتنكيل في دينه وخشي علي حياته، رخص له الرحمن انكار الدين....
إلا ان الحقيقة ان الايمان بالدين يجعل الانسان قادرا علي تحمل مسؤلية تاريخية اكبر مما هو متوقع....
لانه يعلم تحديدا من نحن....
ولماذا نحن هنا....
فيتحمل رسالته ويحملها للتاريخ....
سيعي الانسان يوما ضرورة تلك الكلمات...
ولكنه يوجد فرق كبير بين الايمان بقيمة....
والحياة بلا قيمة....

 <----------- يتبع

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كوكب مجهول المصير - اليوم الثامن – 1997

ملاحظة جديرة بالتدوين...

المطبخ السياسي - الذكاء السياسي.